كتب / منى احمد
هي الوحدة اليمنية أيها السادة، وليست الوحدة العربية. الفرق الأساسي بين الوحدة اليمنية والوحدة العربية يكمن في أن الدول العربية تعيش حالة من الاستقرار النسبي، وتتمتع بسيادة ذاتية وقوة تمكنها من التعاون فيما بينها، فيما كانت الوحدة اليمنية نتاجًا لصراعات داخلية وتراكمات سياسية مستمرة منذ عقود. الوحدة العربية كانت تهدف إلى تعزيز القوة الجماعية للدول العربية وزيادة تعاونها في مختلف المجالات، إلا أن هذه الدول استطاعت تطوير مؤسسات مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي التي تساهم في حل المشكلات وتعزيز التعاون بين الدول، دون الحاجة إلى تحقيق الوحدة السياسية الكاملة.
أما اليمن، فقد شهد تاريخاً مليئاً بالصراعات والانقسامات. الوحدة اليمنية، التي جاءت بدمج العربية اليمنية (الشمال) واليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب العربي ) في عام 1990، لم تكن ببساطة توحيد دولتين مستقرتين. بل كانت نتاجًا لتاريخ طويل من الحروب والصراعات بين الشطرين، بدءًا من النزاع الحدودي بين الشمال والجنوب في أواخر السبعينيات، مرورًا بحرب 1979 التي أسفرت عن انهيار العلاقات بينهما. هذه الصراعات تطورت بعد مقتل الرئيسين الغشمي وسالم ربيع علي، لتصل إلى مرحلة الوحدة التي لم تكن حلاً دائماً بل مؤقتاً لكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة.
الإشكال الأساسي في اليمن، كما هو معروف اليوم، لم يكن في الجنوب الذي سعى للوحدة، بل في الشمال الذي كان يرزح تحت وطأة صراع داخلي معقد. فشلت الحكومة المركزية في صنعاء في إدارة البلاد بصورة فعالة، ما أدى إلى تصاعد الصراع وتزايد النفوذ الحوثي في المناطق الشمالية. هذا النزاع أخذ طابعًا طائفيًا وإقليميًا مع تعاقب الصراعات على السلطة، حيث نشأت جماعات مسلحة استفادت من الفراغ السياسي والعسكري لنشر الفوضى في البلاد.
الوحدة اليمنية، التي كانت تهدف في الأصل إلى توحيد الشعب اليمني وتحقيق الاستقرار، أصبحت اليوم محورًا لصراعات إقليمية ودولية. سيطرة اليمن على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي استراتيجي، جعل من اليمن ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تسعى بعض القوى للاستفادة من الوضع الأمني المتدهور لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. في الوقت نفسه، تستغل الجماعات الإرهابية الفراغ الأمني في اليمن لتنظيم نفسها وشن هجمات في الداخل والخارج، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
الأكثر خطورة هو أن ثروات الجنوب، التي كان من المفترض أن تسهم في تنمية البلاد وتطويرها، أصبحت مصدرًا لتمويل الجماعات التي تتورط في أعمال إرهابية أو تلك التي تُفرض عليها عقوبات دولية. الجنوب الذي عانى من تبعات الوحدة المفروضة، أبدى مرارًا استعداده للتعاون مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب وتقديم حلول فعلية للأزمة اليمنية، لكنه يحتاج إلى استعادة قراره السياسي واستقلاله عن سيطرة الشمال.
الأطراف في الجنوب ترى أن الحل الأمثل للأزمة اليمنية الحالية يكمن في العودة إلى حدود ما قبل عام 1990، حيث كانت كل من العربية اليمنية واليمن الديمقراطية الشعبية دولتين منفصلتين. هذا المطلب يعكس رغبة أبناء الجنوب في التخلص من سيطرة النظام المركزي في صنعاء، الذي يرونه المسؤول الأساسي عن تدهور الوضع في اليمن. بعودة الجنوب إلى سيادته، قد يكون هناك فرصة حقيقية ليس فقط لاستعادة الاستقرار في الجنوب، بل أيضاً لإحداث تغييرات جذرية في الشمال، الذي يعاني من تراكمات الصراع والفساد.
يمكن القول إن الوحدة اليمنية ليست وحدة قائمة على التفاهم والتعاون كما كان يأمل الكثيرون. بل أصبحت اليوم عبئًا على الشعب اليمني، حيث تعاني البلاد من صراع طويل الأمد أثر على كل نواحي الحياة. لهذا، يظل حل الأزمة اليمنية مرهوناً باستعادة الجنوب لسيادته، والتخلص من النظام الذي ساهم في تدهور الأوضاع واتاح فرصة لتواجد الحوثي وغيره من الجماعات الارهابية ، وفتح صفحة جديدة من التعاون مع المجتمع الدولي لإعادة بناء اليمن على أسس جديدة ومستدامة.
زر الذهاب إلى الأعلى