اخبـار دوليـةاقتصاد

عودة ترامب: كابوس أوروبا بين الانتقام والتفكك

عودة ترامب: كابوس أوروبا بين الانتقام والتفكك

ترامب في قمة مجموعة السبع عام 2018 أظهر تحديًا واضحًا للأوروبيين.

يعود ترامب إلى البيت الأبيض محتفظًا بسلطة كاملة: الرئاسة، الكونغرس، والمحكمة الدستورية.

يتعهد ترامب بإنهاء الحرب سريعًا عبر إحياء اتفاقية مينسك.

سياسة ترامب قد تكون كارثية على الاقتصادات الأوروبية المعتمدة على التصدير.

فوز ترامب يعزز صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة والمؤيدة لروسيا.

تحركات ماكرون لتقليل الاعتماد الأمني على الولايات المتحدة، لكن أوروبا تبدو منقسمة.

الرئيس الأوكراني يبدو أكثر المتأثرين بعودة ترامب، ويظهر استعداده للتفاوض مع روسيا.

قبل كل شيء، لنعد إلى أذهانكم هذه الصورة. كان المشهد في قمة مجموعة السبع في كيبك عام 2018، حيث ظهر ترامب جالساً متحدياً غير آبه أمام المستشارة الألمانية حينها أنجيلا ميركل ومعها زعماء مجموعة السبع. هو مشهد لا يزال عالقاً في أذهان الأوروبيين، واليوم آن أوان إحيائه من جديد.

أما الطامة الكبرى للقارة العجوز أنه عائد أكثر رعباً. فترامب الذي ترأس أمريكا لأول مرة بين يناير 2017 ويناير 2021، هو مختلف عن ترامب في ولايته التي ستبدأ في يناير 2025. فالرجل قادم لينتقم من كل أوروبا التي لطالما سخر زعماؤها منه وضحكوا ملئ أفواههم فور خسارته الانتخابات أمام جو بايدن.

القصة بسيطة وواضحة بالأرقام. فاليوم يعود ترامب وفي يده ليس فقط الرئاسة، بل مجلسي الشيوخ والنواب، أي كل الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، كما بيده المحكمة الدستورية العليا. وبالتالي فهو بيده كل الصلاحيات ليفعل ما يريد وكما يريد، فلا رادع لأي “حماقة” كما يصفها الأوروبيون إن نوى ترامب إقترافها.

ولنبدأ بسرد الطريقة التي سينتقم بها ترامب من القارة العجوز، ومطلع الحديث بالطبع حرب روسيا وأوكرانيا. فالجميع يعلم كم مرة تعهد ترامب بوقف حرب روسيا وأوكرانيا خلال ساعات. اما الطريقة، فهي بحسب كثير من المحللين، تقوم على إحياء اتفاقية مينسك، بالطبع فإن ترامب سيوقف الحرب بعد أن يتفاوض مع بوتين، وسيجعل كل الفاتورة على نفقة الأوروبيين، الذين سيكون عليهم وحدهم الدفع لأوكرانيا إذا أرادوا استمرار الحرب. كما سيلزمهم بدفع النفقات حتى لو انتهت الحرب عبر ترك مراقبة تطبيق اتفاقية مينسك لهم وبأموالهم وجيوشهم، من دون اي تدخل من أمريكا أو حلف شمال الاطلسي «الناتو».

حسناً، يعلم الجميع أن حرب أوكرانيا لن تكون الصفعة الوحيدة، فالرعب الأوروبي كبير أيضاً نظراً للتداعيات الاقتصادية والأمنية المترتبة على عودة ترامب، الذي سيشرع في حملة من القومية الاقتصادية تستند إلى عزمه رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية للسوق الأمريكية لحماية الصناعات الوطنية. الأمر الذي سيكون كارثياً على الاقتصادات الأوروبية، وهو ما يمكن التدليل عليه بأن الأشهر القليلة الماضية شهدت مباحثات أوروبية لوضع خطط تهدف إلى تحصين المؤسسات والسياسات الأوروبية ضد ترامب حال فوزه بالانتخابات، مع التركيز على الحاجة إلى أن تنفق أوروبا المزيد على الدفاع وانتاج الأسلحة والقدرات العسكرية. كما أن هناك الكثير من الحديث اليوم حول اتباع ترامب نهجاً جيوستراتيجياً أكثر في السياسة الاقتصادية ليس فقط فيما يتعلق بالصين بل ضد أوروبا أيضاً.

وبعد الضربة العسكرية بالخارج والاقتصادية بالداخل يمكن الانتقال إلى الضربة السياسية في أعمق النقاط في أوروبا، ففوز ترامب الثاني سيعزز صعود الأحزاب والحركات الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تتبنى نفس السياسات غير الليبرالية التي طرحها ترامب مثل “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. وهنا يجب ان نذكر بأن القوى الوسطية في أوروبا تعتمد بالفعل على دعم اليمين المتطرف للحصول على السلطة أو الاحتفاظ بها في عدد كبير من الدول، حيث دخلت أحزاب اليمين المتطرف في حكومات ائتلافية في سبع دول من الاتحاد الأوروبي، هي كرواتيا، تشيكيا، فنلندا، هنجاريا، ايطاليا، هولندا، وسلوفاكيا، كما انها في صعود كبير في فرنسا، المانيا، والسويد وغيرها. وهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا جميعها لديها وجهة نظر رئيسية تتشاطرها مع ترامب. فهي قومية ومعادية للهجرة، ومؤيدة لروسيا بدرجة أو أخرى، وتلقي بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية على الآخرين مثل الأجانب والأشخاص ذوي البشرة الملونة. وهي مشككة في الاتحاد الأوروبي وفي بعض الحالات معادية لحلف شمال الاطلسي «الناتو»، أي انها ترامبية الهوى وأكثر بكثير مما يمكن تصوره.

وبالنظر إلى كل ما سلف فإن تخبط الأوروبيين ورعبهم من ترامب بات مفهوماً. ولنبدأ من الرئيس الفرنسي ماكرون الذي هرول إلى قمة المجموعة السياسية الأوروبية لتكون أولى كلماته إن على اوروبا ان لا تفوض للأبد أمنها للولايات المتحدة قبل ان يضيف وكأنه يستجدي نخوة الاوروبيين: “هل نريد أن نقرأ تاريخاً يكتبه آخرون، الحروب التي يطلقها فلاديمير بوتين، الانتخابات الأمريكية، الخيارات التي يقوم بها الصينيون، ام نريد ان نكتب التاريخ؟”. في إشارة إلى ضرورة أن تكتب أوروبا تاريخها بيدها. وكأن ماكرون كان غير واع إلى أن القمة التي يريد أن يكتب التاريخ منها عُقدت في ملعب لكرة القدم في بودابست بضيافة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بتأييده لترامب. حتى ان أوريان قال فور اعلان فوز ترامب ان صديقه صنع نصراً عظيماً. ما يشي بأن ترامب حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، دق المسمار الأول في نعش أوروبا. ولم يكن كثير من قادة أوروبا أيضًا بمنأى عما ذهب إليه ماكرون عندما أكدوا أن أعضاء الاتحاد الأوروبي مستعدون للدفاع عن قيمهم. حتى أن ما تردد من تسريبات لما جرى في القمة كان مفاده أن الشعور الآن، أكثر من أي وقت مضى، هو أن الاتحاد الأوروبي سيدة محترمة في السبعينيات من عمرها، ولم تعد الأخت الصغرى الهشة للولايات المتحدة.

حسنًا، هذا كان ما تهامس به قادة أوروبا في قمة غصت بمؤشرات المصاعب السياسية التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي، ومن بينها غياب زعيم ألمانيا الوازنة في التكتل القاري. فلم يحضر بالأصل المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي كان مشغولًا بإقالة وزير المالية، وهو أحد الشركاء في ائتلافه الحكومي.

وبالعودة لقادة أوروبا، فإن ما أعلنوه لترامب من كلمات تهنئة كان مختلفًا عما تهمسوا به. يمكن اعتبار ذلك المحاولة الأولى لاتقاء شره، إذ إن الكلمات الدافئة حملت بين سطورها مؤشرات استعداد الحلفاء الأوروبيين لرحلة عاصفة.

ولنبدأ من المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي هنأ ترامب وأكد أنه يريد العمل مع الولايات المتحدة من أجل تشجيع الازدهار والحرية. أما ما كان استجداءً بين السطور عندما قال: “معا يمكننا أن نفعل أكثر بكثير مما يفعله أحدنا ضد الآخر”. وبالطبع، يمكننا أن نتذكر كيف تدهورت العلاقات بين البلدين في ولاية ترامب الأولى، حين أطلق إجراءات وقائية استهدفت واردات أوروبية وصينية. حيث كانت حصة الرسوم الجمركية الأوروبية ما نسبته 20% على كل المنتجات المستوردة من الخارج، ما شكل ضربة للشركات الألمانية التي تعتمد بشكل كبير على التصدير.

أما ماكرون، هنأ ترامب أيضًا بدوره. لكن ما كان بين سطور تهنئته كان واضحًا عندما قال: “سنعمل من أجل أوروبا أكثر اتحادًا وقوة وسيادة في سياق جديد، من خلال التعاون مع الولايات المتحدة والدفاع عن مصالحنا وقيمنا”. وكذلك كانت حال التهنئة لترامب من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل.

أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فلا ريب أنه أكبر الخائفين. حيث سارع ليعلن أنه أجرى مكالمة ممتازة مع ترامب، ووصف انتصاره بالمذهل، بعد أن كان قبلها يعول على وصول كامالا هاريس للبيت الأبيض لتستمر بدعم كييف في حربها ضد روسيا. وقد بدا تزلّف زيلينسكي لترامب واضحًا عندما قال: “أقدر التزام الرئيس ترامب بمقاربة السلام من خلال القوة”، وكأنه بات يشير إلى موافقته على التفاوض مع روسيا إذا كان ترامب سيضعها بموضع قوة في أية محادثات سلام.

وهكذا تتضح عديد نقاط الضعف التي سيضرب منها ترامب أوروبا، وكأننا نستمع للمرأة الحديدية الألمانية ميركل عندما قالت يومًا إن ترامب بسياسته يفضل وجود رابح وخاسر بدلًا من وجود رابحين.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى