وقال الأمين العام لحزب الله في حديثه عن هجوم حماس على البلدات الإسرائيلية القريبة من غزة “الفلسطينيون نفذوه بنسبة 100 في المئة، وأخفاه أصحابه عن الجميع”، أي أن الحزب لم يكن يعلم به.
ويرى مراقبون أن الخطاب لم يكن موجها لأنصار الحزب في لبنان أو في المنطقة، ولا إلى أنصار حماس، وأن الهدف منه توجيه رسالة إلى أطراف خارجية مفادها أن الحزب لا يريد توسيع دائرة الحرب إلى لبنان، مشيرين إلى أن الخطاب كان ضرورة بالنسبة إلى حزب الله وإيران للتأكيد الرسمي على لسان نصرالله بأنهما غير معنيين بالحرب، ولا بمصير حماس، وهو الموقف الذي تريد أن تسمعه الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل.
ويعتقد المراقبون أن نصرالله هدف من خلال رسائله إلى الحفاظ على مصالح إيران وعدم تعريضها للخطر خاصة في ظل الانفتاح الأميركي عليها في الفترة الأخيرة والوعود التي تكون حصلت عليها بتمكينها من جزء من أموالها المجمدة في الولايات المتحدة.
وكان موقف حزب الله القائم على النأي بالنفس واضحا من البداية، لكن خطاب نصرالله يضفي عليه البعد الرسمي، ما يسمح لإسرائيل أن تستمر في مواجهتها مع حماس دون خشية من تحريك الجبهة الشمالية مع الحفاظ على قواعد الاشتباك الروتينية التي تحفظ لحزب الله صورته كخصم لإسرائيل من دون أن يتجاوز الخطوط الحمراء.
وللتغطية على التملص من المواجهة، وجه نصرالله تصريحات قوية إلى الولايات المتحدة، معتبرا أنها “المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة”، وأن “من يريد منع قيام حرب إقليمية.. يجب أن يسارع إلى وقف العدوان على غزة”.
لكن الولايات المتحدة ردت بقوة وحذرت الحزب من أن عليه ألا “يستغل” الحرب بين إسرائيل وحماس. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي “نحن وشركاؤنا كنا واضحين: على حزب الله وأطراف آخرين، سواء كانوا دولا أو لا، ألا يحاولوا استغلال النزاع القائم”.
وتابع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي “قد يتحول الأمر إلى حرب بين إسرائيل ولبنان أكثر دموية من حرب 2006. لا تريد الولايات المتحدة أن ترى هذا النزاع يتسع إلى لبنان. إن التدمير المحتمل الذي سيلحق بلبنان وشعبه لا يمكن تصوره ويمكن تجنبه”.
وغابت التهديدات المألوفة لدى الحزب بتحريك الجبهة اللبنانية والرد على إسرائيل بقوة، وحل محلها خطاب مهادن يمكن أن يفهم منه الشيء ونقيضه، حيث قال “ما يجري على جبهتنا مهم جداً ومؤثر جداً (…) ولن يتمّ الاكتفاء به”. وأضاف “كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة (…) وكل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أيّ وقت من الأوقات”.
وتابع “أقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو القيام بعملية استباقية باتجاه لبنان أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخك”، مشدداً على أن تطور جبهة لبنان مرتبط “بمسار الأحداث وتطورها في غزة، فهذه الجبهة هي جبهة تضامن، ومساندة لغزة”.
ويلخص هذا التصريح مستوى العلاقة بين حزب الله وحماس، فالأمر لا يعدو أن يتجاوز البعد التضامني في الخطاب. وسبق لموسى أبومرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس أن أشار، ولو بشكل مخفف، إلى صدمة حركته من موقف حزب الله حين قال في حوار أخير إجابة على سؤال حول ما تتوقعه حماس من حزب الله “نحن نعتمد على أنفسنا، وندعو كل الأصدقاء لأن يشاركونا في هذه المواجهة”.
ومن الواضح أن قادة حماس قد انتظروا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية مشاركة فعلية للحزب في الاشتباك مع إسرائيل لتخفيف الضغط عنهم، لكن الحزب اكتفي بضوابط واضحة في الاشتباك تقوم على تسجيل الموقف وتبرئة الذمة، في الوقت الذي كانت فيه حماس تنتظر دخول الحزب بكل قوته في المواجهة وتفعيل فكرة “وحدة الجبهات” أو “تعدد الساحات” التي طالما تحدث عنها نصرالله.
ويفسر خطاب نصرالله وكلامه الفضفاض سبب الفشل في استنجاد حماس بحزب الله اللقاء الثلاثي الذي جمع قياديا من الحركة وآخر من الجهاد الإسلامي بأمين عام حزب الله. وانتهي اللقاء الثلاثي إلى بيان بارد حث “على مواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات بشكل يومي ودائم”. كما لم يصاحبه أيّ تصعيد ميداني، وهو ما فهمت منه الحركة تخلّيا رسميا من الحزب عن مساعدتها في الحرب، ولهذا نوى أبومرزوق في تصريحاته معاتبة الحزب أكثر من نيّة الاحتجاج عليه أو مهاجمته.
وتختلف حسابات حزب الله عن حسابات حماس، فالأول له أجندة أكبر مرتبطة بإيران، وهي التي تحدد خطواته بالتحرك من عدمه، وتضع سقفا لأنشطته، ولا يبدو أنها ترغب في التدخل بأيّ شكل من الأشكال في مجريات التصعيد الحالية، على عكس حماس التي نفذت عملية عسكرية قوية دون أن تتحسب لنتائجها وتداعياتها على قطاع غزة، كما لم تضع في الحسبان أن يتخلف حزب الله عن نجدتها في وقت تحصل فيه إسرائيل على دعم سياسي وعسكري واسع من الغرب، وخاصة من الولايات المتحدة.
وتفضل إيران أن يحتفظ الحزب بقوته وألا يستنزفها في مواجهة مع إسرائيل في الوقت الحاضر، وهو ما لم تكن حماس تدركه.
وكان رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحركة حماس في الخارج علي بركة قال “إذا حاول العدو الصهيوني اقتحام غزة بريا، فإن المعركة ستتوسع أكثر؛ لأن حلفاء المقاومة لن يتركوها لقمة سائغة للكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، فالحرب علينا أميركية – إسرائيلية، وليست فقط من حكومة (بنيامين) نتنياهو”. وتحدث عن “وجود غرفة عمليات مشتركة لقوى المقاومة (دون أن يحدد مكانها)، وقد جرى تفعيلها منذ عام 2021”.