اخبـار دوليـة

إسرائيل تكذّب دعايتها: مراجعة لصور مستشفى “الشفاء”

صوت الضالع / متابعات

بدت الصور المزعومة التي نشرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لما تدعي أنها أسلحة وأجهزة إلكترونية لحركة “حماس” في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، ضعيفة وركيكة جداً، بالنظر إلى حجم الدعاية التي سوقتها إسرائيل عن المستشفى بوصفه “مركزاً لقيادة حماس العسكرية”.

فالصور لم تُظهر شيئاً استراتيجياً بالمفهوم العسكري، ولم يسفر اقتحام المستشفى عن اعتقال قيادات عسكرية وسياسية لـ”حماس” ادعت إسرائيل أنها موجودة في المستشفى.

وقالت مصادر محلية من غزة لـ”المدن” إن جيش الاحتلال أدخل معه مجموعة من الكراتين بزعم أنها “لوازم طبية” إلى داخل المستشفى، ومكث وقتاً طويلاً داخل أقسام لم يوجد فيها أي فلسطيني، فلا يُعرف إن كانت تحتوي على أسلحة لـ”القسام” استولى عليها من مناطق أخرى في غزة، ثم جلبها كي يعرضها وكأنها داخل المستشفى، في محاولة للتضليل وإنقاذ دعايته أمام العالم”، مضيفاً: “إسرائيل مستعدة لأن تفعل أي شيء في حرب كسر العظم الدائرة في غزة، وإنجاح حملتها الدعائية الموجهة”.

بالعُرف العسكري، يُعدّ استخدام طرف مُقاتل مكاناً استهدفه الاحتلال بحملة دعائية غير مسبوقة ولسنوات طويلة، فشلاً أمنياً، وهو ما دفع محللين استراتيجيين ومصادر فصائلية في غزة إلى استبعاد صحة الدعاية الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى.

محاولات بائسة لإنقاذ الدعاية
ولأنّ الجيش الإسرائيلي يدرك أن روايته غير مقنعة للجمهور العربي والإسلامي، جلب متحدثيه الناطقين باللغة الإنكليزية إلى داخل مستشفى الشفاء ليخرجوا بأنفسهم في الفيديو الدعائي لتضليل العالم الغربي، ولترك تأثير أكبر من مجرد الاكتفاء باستعراض الفيديوهات في مؤتمر صحافي يومي اعتيادي للناطق العسكري.

وحاول الجيش بفيديو “الأسلحة المزعومة” أن يطرحه كـ”دليل مقنع” للعالم على “صحة” البروباغندا الإسرائيلية. ولعلّ هذه الفيديوهات ليست حاجة إسرائيلية فقط، بل تبدو أيضاً حاجة للإدارة الأميركية التي تريد أي شيء يرفع الحرج عنها أمام مواطنيها والرأي العام العالمي، كونها تبنّت الرواية الإسرائيلية بخصوص المستشفيات كأمر مُسلّم به، لا نقاش فيه.

لكن الصور نفسها والطريقة المشهدية في عرضها كشفت ضمناً مدى إخفاق جيش الاحتلال في العثور على دلائل مهمة واستراتيجية بشأن ما روجته عن “الشفاء”، بدليل أنّ مراسل الشؤون الفلسطينية لتلفزيون “مكان” العبري، حسن أبو زايدة، قال في إفادته، إن القوات الإسرائيلية لم تجد شيئاً خلال تفتيشها داخل المستشفى، وأنها انتقلت إلى المرحلة التالية للبحث عن أنفاق في محيط المستشفى من جهته الغربية والجنوبية. واللافت أنه تحدث هنا عن “شكوك إسرائيلية”، لا معلومات استخباراتية سُوّق لها بكثافة على مدار أسابيع.

انتقادات إسرائيلية
وفي حين روّج الكثير من وسائل الإعلام العبرية لمزاعم الجيش، من دون تفكير وطرح الأسئلة المهنية المطلوبة، رصدت “المدن” بعضاً من انتقادات المحللين الإسرائيليين لما جاء في الصور التي عرضها الجيش. إذ قال المحلل العسكري، يوسي ميلمان، في تغريدة في موقع “X”، إن لديه “شعوراً سيئاً تجاه الشفاء، فإسرائيل قامت بحدث غير مسبوق، وخلقت انطباعاً بأن معلوماتها الاستخباراتية متميزة”. واعتبر أن “صور الشفاء” ليست مثيرة للإعجاب، ولا ترقى الى مستوى التوقعات بالنظر إلى حجم الضرر الذي سيلحق بصورة إسرائيل أمام العالم.

أما صحيفة “هآرتس”، فقد اعتبرت أن الغاية من اقتحام مستشفى الشفاء ليست عسكرية بالضرورة، بقدر ما هي فعل يهدف إلى إرسال برسالة “حازمة” إلى “حماس” مفادها أنه “لا يوجد مكان تخشاه القوات الإسرائيلية، وأن لا مكان آمناً لها”. ويشكل استنتاج “هآرتس” إقراراً من الصحيفة العبرية بأن دخول “الشفاء”، كانت له نتائج محدودة من الناحية العسكرية، كما أنه يوفر دليلاً آخر على أن سلوك جيش الاحتلال في حربه على غزة يقوم على “الفتوّة” والحسم القائم على التدمير والتخريب.

وهذا ما يُستشف من الحملة الدعائية المرافقة للحرب، بموازاة حرب الصور التي يخوضها الجيش الإسرائيلي إلى جانب هجومه الميداني. فقد نشرت مواقع إعلامية ورسمية إسرائيلية، في الساعات الماضية، ثلاثة صور للمجلس التشريعي في غزة، تحت عنوان “مراحل اتخاذ القرار”. إحدى الصور قديمة، لأعضاء “حماس” في المجلس التشريعي. والثانية، صورة جماعية للقوات الإسرائيلية المُقتحِمة للمقر، وهي تبتسم للكاميرا لتسويق ما حصل كانتصار. وثالثة، لحظة تدمير المقر جراء قصفها له.

الحال أنّ قطاع غزة عبارة عن أرض مستوية، لا جبال ولا أودية فيها، ما يجعله “ساقطاً عسكرياً” بالمفهوم الاستراتيجي والعملياتي، وهذا ما تؤكده الفصائل الفلسطينية في غزة نفسها، وهو ما يثير تساؤلات بشأن دوافع الاحتلال من الإصرار على نشر صور من داخل غزة لإظهارها كإنجاز عسكري. ربما، يحاول من خلالها أن يظهر غزة “كدولة لديها جيش” لتحقيق هدفين: الأول تضخيم “إنجازاته”، وثانياً تبرير عملية التدمير وإبادة غزة أمام العالم.

التدمير.. بهدف “التحييد”
وجاء النائب السابق لرئيس جهاز “الشاباك”، يسرائيل حسون، كي يؤكد العقلية العسكرية الإسرائيلية القائمة على التفجير والتخريب كأساس لحسم أي معركة، إذ دعا في حديثه للتلفزيون الإسرائيلي الرسمي إلى ضرورة “أن تفجر إسرائيل وتخرب وتكمل المهمة التي بدأت فيها”.

وقد حاول حسّون بذلك أن يبرر فشل الجيش في العثور على قيادة “حماس” في مستشفى الشفاء، بقوله إنه “لا أحد يتوقع أن قيادة حماس تنتظر الجيش في المستشفى”، لكنه استدرك بالقول إنه “يجب علينا أن نذهب إلى هناك ونبحث وندمر ونفجر”. 

وعَكَس حسون حقيقة العقلية الأمنية الإسرائيلية، حينما قال إن العملية في غزة ليست فقط لأشهر وليس باستعادة الأسرى الإسرائيليين، وإنما أطول من ذلك، أي حين تتأكد تل أبيب من أن مَن يحكم غزة سيضمن “الاستقرار وعدم تهديد المصالح الإسرائيلية”، حسب تعبيره.

لعلّ يسرائيل حسّون بدا أكثر صراحة في كشف النظرية الأمنية والعسكرية التي تقوم عليها “الحماية الوجودية لإسرائيل”، والتي تقوم على تخريب وتدمير كل شيء كسلوك انتقامي من كل ما هو فلسطيني وعربي، على أمل تحييده إلى أجل غير مسمى. أي أنها نظرية “التحييد..عبر التدمير والتخريب”، وهذا ما يفسر حرص قادة جيش الاحتلال على تهديد الدولة اللبنانية وبنيتها التحتية المدنية في حال مسّ “حزب الله” بمصالحها، فهي تهدد المدنيين أكثر من تحديد أهداف عسكرية حقيقية لأي حرب تشنها على غزة أو لبنان أو غيرهما

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى