صوت الضالع / متابعات
وضع تكثيف الولايات المتّحدة الأميركية وبريطانيا لقصفهما أهدافا تابعة للحوثيين الجماعة إزاء ورطة يبدو أنّها لم تكن ضمن حساباتها ولا حسابات داعمتها إيران، عندما شرعت في التعرّض لحركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب تحت يافطة مساندة قطاع غزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية.
ويخالف المدى الذي بدأ يتخذه القصف من حيث الكثافة واتساع الرقعة التي يطالها والأهداف التي يضربها، ما كان الحوثيون والإيرانيون يتوقّعونه من وجود موانع تحول دون تنفيذ عملية عسكرية أميركية جادّة بالنظر إلى محاذير توسيع نطاق الصراع وتأجيجه في ممر بحري حيوي للتجارة الدولية.
وأظهرت عمليات القصف التي تمّت إلى حدّ الآن حجم الضرر الذي تستطيع القوات الأميركية والبريطانية أن تلحقه بالآلة الحربية للحوثيين وبنيتهم اللوجستية من دون مقابل يذكر، حيث يتم القصف الجوي من ارتفاعات شاهقة والقصف الصاروخي من أماكن بعيدة تعجز دفاعات الحوثيين (والكثير من الدول) عن أن تطالها.
ويمثّل القصف عن بعد أسلوبا أميركيا في شنّ الحروب يقوم على استنزاف العدوّ وتدمير بناه دون الاقتراب منه ومنحه فرصة الردّ على مصادر النيران.
وبات الحوثيون مع تصاعد القصف الأميركي – البريطاني أمام خطر خسارة قسم هام من ترسانتهم العسكرية التي حصلوا عليها من إيران طيلة سنوات الحرب التي أشعلوها في اليمن منذ أكثر من تسع سنوات، كما أصبحوا إزاء محذور خسارة مكاسبهم الميدانية الكبيرة التي حقّقوها وأصبحت بمثابة الأمر شبه المسلّم به من قبل أعدائهم الذين أصبحوا مستعدّين للدخول في عملية سلام معهم على أساس ما هو قائم من أمر واقع.
ويقول خبراء الشؤون العسكرية والأمنية إنّ قصفا مركّزا وطويل الأمد يمكن أن يخلق مشاكل كثيرة للحوثيين في مناطق سيطرتهم المحاطة بأعداء محليين كُثر وأن يرخي قبضتهم على تلك المناطق.
كما يمكن لدمار البنية التحتية للحوثيين أن يعقّد مهمتهم في إدارة المناطق والتحكّم في سكّانها، خصوصا وأنّهم يمثّلون السلطة المسؤولة عن مختلف الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المناطق اليمنية الأكثر سكّانا.
ويُلحق التصعيد في البحر الأحمر ضررا بالغا بحركة التجارة عبره ويتسبب في خسائر لعدّة بلدان، لكنّه أيضا يعطلّ مختلف الإمدادات الحيوية من غذاء ودواء وغيرهما نحو مناطق سيطرة الحوثيين خصوصا وأنّ المنفذ الرئيسي لتلك الإمدادات هو ميناء الحديدة الواقع في قلب بؤرة التصعيد في البحر الأحمر.
وبدأ الحوثيون يظهرون جنوحا نحو التهدئة مع تصاعد الضغط العسكري الأميركي – البريطاني عليهم.
وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي عبر منصة إكس “واشنطن تقول إنها لا تريد الحرب، لكننا نتعاطى مع الأفعال وليس الأقوال”.
وأضاف أن “صنعاء لا تريد الحرب، وخفض التصعيد سيقابله من جانبنا خفض تصعيد”.
ونفّذت الولايات المتّحدة وبريطانيا ليل الاثنين – الثلاثاء جولة جديدة من الضربات على أهداف تابعة للحوثيين في إطار عمليات ردع استهدافهم للسفن التجارية.
وشنّت القوّات الأميركيّة والبريطانيّة في وقت سابق من الشهر الحالي ضربات مشتركة ضد الحوثيين، فيما نفّذت الولايات المتحدة وحدها المزيد من الغارات ضد مواقع تضم صواريخ قالت إنها تمثّل تهديدا وشيكا للسفن المدنية والعسكرية على حد السواء.
لكن الحوثيين تعهّدوا بمواصلة هجماتهم التي تمثّل جانبا واحدا فقط من الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط المرتبطة بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية والتي فاقمت التوتر في أنحاء المنطقة وأثارت مخاوف من اتساع رقعة النزاع.
وكتب يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين على منصّة إكس الثلاثاء “شن طيران العدوان الأميركي – البريطاني ثماني عشرة غارة جوية خلال الساعات الماضية توزعت كالتالي: اثنتا عشرة غارة على أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، وثلاث غارات على محافظة الحديدة، وغارتان على محافظة تعز، وغارة على محافظة البيضاء”. وحذّر من أن “هذه الاعتداءات لن تمر دون رد وعقاب”.
وكانت واشنطن ولندن قد أكدتا في بيان، أصدرتاه بالاشتراك مع دول أخرى شاركت في إسناد هذه الضربات، أنّ قواتهما شنّت “جولة جديدة من الضربات المتكافئة والضرورية على ثمانية أهداف حوثية في اليمن ردّا على الهجمات المتواصلة على خطوط الملاحة والتجارة الدولية وضدّ سفن تعبر البحر الأحمر”.
وأوضح البيان أنّ “الضربات الدقيقة” هدفت إلى تقويض “القدرات التي يستخدمها الحوثيون لتهديد التجارة الدولية وأرواح بحارة أبرياء”.
وفي بيان منفصل أوضحت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أنّ “الأهداف شملت أنظمة صواريخ ومنصات لإطلاقها وأنظمة دفاع جوي ورادارات ومرافق لتخزين الأسلحة مدفونة بعمق تحت الأرض”.
وأفاد سكان في العاصمة صنعاء وكالة فرانس برس بأنهم سمعوا دويّ انفجارات عنيفة حوالي منتصف الليل بالتوقيت المحلي.
ومن جانبه أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الثلاثاء أن الضربات الجديدة تبعث “الرسالة الأكثر وضوحا (والتي يفيد مضمونها) بأننا سنواصل إضعاف قدرة الحوثيين على تنفيذ هجمات”.
ومنذ منتصف نوفمبر الماضي ينفّذ الحثيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وعلى إثر الضربات الغربية بدأت جماعة الحوثي تستهدف السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة، معتبرة أن مصالح البلدين أصبحت “أهدافا مشروعة”.
وتؤكّد الجماعة الموالية لإيران أنها ستواصل “منع السفن الإسرائيلية” من عبور البحر الأحمر وخليج عدن حتى نهاية الحرب في غزة و”الرد على أي هجوم” على مواقعها.
وبدأت إيران تستشعر وجود خطر على الحوثيين الذين يمثلون إحدى أقوى أذرعها في المنطقة خصوصا وأنهم يؤمّنون لها موطئ قدم في منطقة إستراتيجية جنوبي غريمتها السعودية وبمحاذاة الممر البحري الإستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إنّ بلاده وجهت “رسالة وتحذيرا جديا للأميركيين” مفادهما أن ضرباتهم بالاشتراك مع بريطانيا في البحر الأحمر واليمن تمثّل “تهديدا للسلام والأمن وتصعيدا لنطاق الحرب في المنطقة”، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء إرنا الإيرانية الرسمية.
وأوضح أنه “في الوقت الذي شنّت فيه أميركا وبريطانيا اعتداءاتهما على اليمن، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن حوالي 230 سفينة تجارية ونفطية كانت تتحرك في البحر الأحمر”، مشيرا إلى أن السفن تلقت “رسالة اليمنيين جيدا بأن السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال الصهيوني هي فقط التي يوقفها اليمنيون”.
وأكد عبداللهيان أنه أبلغ نظيره البريطاني خلال لقائهما الأسبوع الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بأنّ “ما قامت به لندن وواشنطن من تصعيد التوتر في البحر الأحمر وضد اليمن كان خطأ إستراتيجيا”.
والحوثيون جزء مما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويضمّ أطرافا أخرى تدعمها طهران مثل حزب الله اللبناني وفصائل عراقية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
وتقدّم الجمهورية الإسلامية دعما سياسيا للحوثيين لكنّها تنفي تقديمها الدعم العسكري لهم.
وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع بأن ضربات الاثنين نُفّذت باستخدام ذخيرة موجّهة بدقة أُطلقت من الطائرات الأميركية والبريطانية وصواريخ كروز من طراز توماهوك.
وأكد للصحافيين عدم وجود أي مخاوف من إمكانية سقوط ضحايا مدنيين في المواقع التي تم استهدافها، فيما لم تتضح الخسائر في صفوف الحوثيين بسبب تكتّمهم الشديد عليها.
وقال إن “الاستهداف كان محددا للغاية ومدروسا جدا لإصابة الإمكانيات التي يستخدمونها لمهاجمة السفن في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن”.
وبالإضافة إلى التحرّك العسكري تسعى واشنطن للضغط دبلوماسيا وماليا على الحوثيين إذ أعادت الأسبوع الماضي إدراجهم على لائحتها للكيانات الإرهابية بعد أن كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد ألغت عام 2021 تصنيف إدارة سلفه دونالد ترامب لجماعتهم كمنظمة إرهابية.