كتب/ د. أمين العلياني
حضرموت، اسم يُحاك حوله التاريخ، وتُنسج على أرضه الأحلام، وتُختزل في جغرافيته معارك كثيرة تحاول أن تسلخ عنها هُويّتها الجنوبية لكنها بفضل قيادتها وقادتها ومفكريها وعلمائها ورجال مالها وسلاطينها وشيوخها ومقادمة قبائلها وأحلافها وقواتها العسكرية والأمنية الحضرمية أثبتت وتثبت مصير هويتها الجنوبية رغم المؤامرات.
حضرموت، حيث تلتقي الرمال الذهبية ببحر العرب، تُكتب اليوم فصولٌ حاسمة في مسيرة الجنوب العربي هوية وانتماءً وأرضًا وإنسانًا، لتبقى حضرموت حصنًا قويًّا ومنيعًا تبثت هويتها الجنوبية، وتقول لا ولم ولن نسمح أن تتحول هويتي الجنوبية إلى ساحة لتصفية حسابات ومشاريع تخدم أجندات تعيدني إلى حضن الهيمنة الزيدية بمختلف توجهاتها الأيديولوجية الإرهابية والإخوانية والحوثية ولا بمسميات تلك الرؤى التي تتقدم بها تلك الأجندات التي حاولت وتحاول أن تستحضرها الآن من منطلق الحقوق وانتزاع الخصوصية والحكم الذاتي والاقليم الحضرمي في إطار اليمن الاتحادي، وأين كانت تلك المطالب والخصوصية والحق بالحكم الذاتي حين كنتم خدم على أبواب مشائخ سنحان وحاشد وعلى جمعياتهم الخيرية، ويوم كان الإرهاب يفتك بأبنائنا، ويطرق أبوابنا ويقتل أبناءنا، ويدوس كل تراب أرضنا بفعل ما خلفه لنا هذا الاحتلال الزيدي البغيض بمختلف أيديولوجيته وتخادماته الحزبية والدينية؟
ومن هذا المنطلق قالت حضرموت بجواب هذا، لأنها تنطلق من مكانتها الجنوبية التي تتدفق من عروق التاريخ، وتنبض من شرايينها الهوية الجنوبية، لتقف كصرح شامخ وشاهد حي على إرث ثوري عريق، فهي نواة الثورة الجنوبية ضد الاحتلال الشمالي البغيض، ولهذا هي تعي تمامًا لماذا تُستهدف اليوم بشراسة عبر أدوات محلية تمولها أجندات مختلفة تريد تقويض أمنها، وإضعاف نخبتها العسكرية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وتقوض ركائز سلطتها المحلية معلنة للعلن لصالح من يكون هذا العبث الذي وصل مداه الى سلخ الهوية عن جنوبيتنا؟ وتتساءل بشرعية الحق والمصير لماذا تتشكل تلك الأجندات؟ ولماذا تُستثمر تلك الجهود التي تتظاهر أنها منقذة لخصوصيتي الحضرمية ومطالبي الحقوقية والحكم الذاتي المراوغ به بشريطة أن أنسلخ عن هويتي لأنها جنوبية؟ وتقول بالمقابل فهل يستحيل تحقيق مطالبي وحقوقي وخصوصتي الحضرمية وانتزاعها ونحن ثابتون المبادئ، وعاليون المقام، وواثقون الخطى برجالنا وعلمائنا وقواتنا التي هي قادتها من خيرة كوادرنا وجنودها من أبنائنا ومحافظين على خصوصيتنا الحضرمية في إطار هويتي الجنوبية؟!
من هنا، تقف حضرموت بجنوبيتها المعروفة كالجبال بثبات المبادئ، وقيم التسامح، ومنتجات الوعي والثقافة، والوسطية أمام تحديات تحاول دعاة الاحتلال الشمالي وأجندات الطامعين أن تسلبها مماسك هويتها الجنوبية الجامعة، لهذا فهي تعرف من يريد لها الانزلاق إلى فخ التقسيم والتبعية التي سلبت قيمها التسامحية وأرادت أن تصورها أنها في يوم من الايام وصفت بمنتج من منتجات الإرهاب، لكنها في فترة وجيزة أثبتت قوات نخبتها الحضرمية وقيادتها الصناديد كيف يردوا على تلك المنتجات الدخيلة على أرضهم التي أنجبت القادة والمفكرين، والتي كانت أول من أطلق صافرة الانتفاضة ضد الهيمنة الشمالية الاحتلالية، التي عايشت قساواتها القمعية والعبث بثرواتها لهذا فهي متوقعة أن تواجه اليوم تحدياً وجودياً يُهدد كينونة هويتها الجنوبية لكنها قالت لا لليمننة وألف لا للهيمنة الاحتلالية الشمالية.
لطالما كانت قوات النخبة الحضرمية رمزًا للبطولة والتضحيات، وهي التي طهرت الأرض الحضرمية المسالمة من قوى الإرهاب المصدرة من القوى الشمال الاحتلالية، وحمت السواحل من التهريب، وأعادت الأمل بعد سنوات من الدمار الذي خلَّفته قوى الاحتلال الشمالي بأجنداتها الإخوانية والحوثية والمتخادمة معها، لكنها اليوم، مستغربة لماذا تُستهدف قوات النخبة الحضرمية حامية حضرموت بشراسة! فهل يُعقل أن تُحارب المؤسسة التي صنعت الأمن بعد أن عانت حضرموت من الفوضى؟
ويتساءل أبناؤها، لماذا تُثار الضغوط على تشكيل قوات جديدة تتوجه صوب الساحل لتكون في مواجهة مع النخبة بينما تُترك قوات المنطقة العسكرية الأولى (الموالية لصنعاء) جاثمة على أنفاس الوادي والصحراء فهؤلاء ليسوا حضارم ولهم الحقوق والخصوصيات نفسها؟ أم فقط الخصوصيات والحقوق يجب توفيرها بالساحل لاستهداف قوات النخبة؟ معادلة غير مستوعبة.
ومن منطلق المسؤولية تقول حضرموت أليس تشكيل كيانات قبلية وهي ذات نفوذ في قوام السلطة المحلية لتكون بديلة تحت مظلة الحقوق المحلية وكانت بإمكانها أن تطالب لابناء حضرموت بالحقوق وانتزاعها في ظل قانون يخولها بالمسؤولية الحكومية وهي بقيادة السلطة المحلية بالمحافظة نفسها، أو تصبح العزف على وتر المطالبة بحقوقنا وانتزاعها مجرد تسويق لأغراض شخصية، وتمزيق نسيجنا الاجتماعي لتصبح حضرموت بطولها وعرضها وسكانها الكبير وثرواتها محاولةً لضرب الأمن وإعادة الهيمنة الشمالية بأقنعة جديدة؟ وهل هذا هو الهدف لتسلخوا عني هويتي الجنوبية إلى اليمن الاتحادي.
ولهذه التساؤلات حضرموت قالت وتقول لم أكن يومًا إلا جنوبية الهوية، وحقوقي وخصوصيتي أحققها في إطار الجنوب أكثر من استنساخ مفاهيم مقنعة يفهمها المتنفعون، ويحرم منها البسطاء الذين تريدون أن يسوقوا أبناءنا إلى أسواق العبودية الزيدية والهيمنة الشمالية من جديد.
فالثورة التي انطلقت من حضرموت ضد الاحتلال الشمالي لتكون تعبيرًا عن إيمان راسخ بأن حضرموت ذات هوية جنوبية، وهو ما جسَّدته مليونيات التفويض للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس والزعيم عيدروس الزبيدي الذي وعد حضرموت بكل خصوصياتها وتمكين أهلها من حكمها. فلماذا تُستغل الخصوصيات المحلية اليوم لضرب هويتي الجنوبية عني كحضرمي؟ ولصالح الشمال؟. فهل خصوصيتي الحضرمية تتعارض مع أن أكون ضمن الهوية الجنوبية وقواتي الحضرمية المشكلة من أبنائنا التي تحمي حضرموت وهي من تحمي خصوصيات حضرموت دون التزيف دغدغة مشاعر على البسطاء.
ولو تقدم أحدنا بتساؤل، هل مشاريع الحكم الذاتي والأقاليم التي تُطرح اليوم لا هدف لها إلا فقط أن تسليني كحضرمي من هويتي الجنوبية وتصبح هويتي الجنوبية هي العائق أمام حقوقي ومطالبي، مع معرفتي بزيف هذا الوعي لتلك المشاريع التي نفسها إعطاء من ثرواتي لمن نهبها منذ 1994م إلى اليوم في مقابل ان أمنعها أو لم أشارك بها من هو أقرب إلى هويتي ولم يحاول يوما ما أن يضعف جنوبيتي أو يسلبني هويتي؟
ولو قائل منا كيف تُجرؤ قوى الشمال بمختلف أيديولوجياتها على دعم التمردات على نظام السلطة المحلية في حضرموت بينما أرضها تُنهب تحت أقدام الحوثيين ولا غيرة ولا حشمة لها إلا فقط أن يسندوني أن لا أكون ضمن الهوية الجنوبية؟
اتفاق الرياض: بين الالتزام والمرونة والمخاضات العسيرة:
اتفاق الرياض لم يكن مجرد ورقة سياسية، بل كان إطارًا لإنصاف الجنوب هوية وأرضًا وإنسانًا. فكيف يُفسر اليوم خرق هذا الاتفاق عبر تشكيل كيانات موازية، ودعم تمردات قبلية، وإهمال مطالب إخراج قوات صنعاء من حضرموت لتحل محلها قوات حضرمية على أقل تقدير نثق بما نرى لا بما يقال؟
ومن ناحية موضوعية من المستفيد من إثارة الفوضى في حضرموت؟ لسبب أن الحضارم قالوا إن هويتنا جنوبية أم العدو الحوثي الذي يريد تحويل الجنوب إلى ساحة معركة من جهة، وأحزاب الشمال التي تخشى من قوة الجنوب العربي الفيدرالي الموحد؟
ولا نعتقد أن التحالف يرضى أن يكون داعمًا لشرعية السلطة المحلية بحضرموت وقواتها الحامية على أرضها ، وبالمقابل يكون صامتًا عن انتهاكات تقوض أمن حضرموت وتعمل على تعطيل دور سلطتها المحلية، وصلاحيات نائبا لمجلس رئاسي يمثلها وإخراج حضرموت حتى من هويتها الجنوبية لسماع صوت مجند لأحزاب شمالية لا يرى إلا مصلحته على حساب الشعب وحقوقه في حضرموت؟
فما يجري على الميدان لا يُخفى أن الهدف الأكبر هو إضعاف الجنوب وسلب هويته الجامعة من استحقاقاته لصالح المشروع الإيراني، فبينما قوات الجنوب تحارب الحوثيون في الجبهات، تُفتعل أجندات الشمال المشردة، التي تمنح صفة الشرعية لتعمل على تصدير الأزمات في الجنوب لضرب استقراره، بهدف تخرج نفسها من التزامات المواجهة مع الحوثي.
ومن السؤال السابق يأتي التساؤل الاستراتيجي لماذا لا تُوجه الجهود لتحرير الشمال من الحوثيين بدلًا تصدير المشاريع الداعية إلى تمزيق محافظات الجنوب؟
فالجنوب كله من المهرة إلى باب المندب يرون ما يحصل من تجريف وتحشيد لتعطيل وضع السلطة المحلية في حضرموت ويقابله صمتًا ويروه تهاونًا للمشروع العربي الذي يُفترض أن يحمي الجنوب بهويته، ويدعم تلاحمه وتعزيز جبهته الداخلية على نظير تضحياته من التمدد الإيراني الذين كانوا يد التحالف الأمينة على الأرض والجبهات وكسره فهل هذا الجزاء الذي ينالوه وترونه عدلًا؟
حضرموت جنوبية ليست ساحة صراع، بل هي خط الدفاع الأول عن خصوصيتها الحضرمية وهويتها الجنوببة، فغالبية حضرموت وسوادها الاعظم تقول أما أن نكون يدًا واحدةً لحماية هويتنا الجنوبية ومكتسباتنا السياسية في دولة فيدرالية أو اتحادية جنوبية، او نموت ولن نسمح لأعدائنا بتحقيق أحلامهم التدميرية، فإما أن نكتب تاريخنا بأيدينا، أو نترك الآخرين يمحون هويتنا من الخريطة!