صوت الضالع/ المكلا
احتشد مئات الآلاف في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت وأكبر مدنها، يوم الخميس 24 أبريل/نيسان، في تظاهرة وصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وذلك لإحياء الذكرى التاسعة لتحرير مناطق ساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2016.
ولم تقتصر الفعالية، التي امتدت على مساحات واسعة على كونها احتفالاً بالذكرى السنوية للتحرير فحسب، بل اعتبرها مراقبون وسياسيون محليون بمثابة استفتاء شعبي واسع النطاق، جدد فيه أبناء حضرموت تفويضهم للمجلس الانتقالي الجنوبي لقيادة تطلعاتهم السياسية نحو إدارة شؤونهم بأنفسهم، ضمن ما يطمحون إليه من إطار دولة جنوبية فيدرالية.
وجاءت هذه التظاهرة الحاشدة، التي حملت شعار “حضرموت أولاً”، بحضور لافت لقيادات بارزة في المجلس الانتقالي الجنوبي، لتؤكد على عدة رسائل رئيسية؛ أبرزها أن حضرموت جزء لا يتجزأ من النسيج الجنوبي. كما عكست الفعالية، بحسب المحللين والمراقبين، الثقة التي يحظى بها المجلس كممثل سياسي لقطاع واسع من سكان المحافظة.
فمنذ ساعات الصباح الباكر ليوم الخميس، تدفقت جموع غفيرة من مختلف مديريات حضرموت، سواء من مناطق الساحل أو الوادي والصحراء، باتجاه قلب مدينة المكلا.
واكتظت الساحات والشوارع المؤدية إليها بالمشاركين الذين رفعوا أعلام دولة الجنوب السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، وصوراً لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، ونائبه اللواء أحمد سعيد بن بريك. إلى جانب صور لشهداء قوات النخبة الحضرمية وقادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما فُسر على أنه تعبير عن تقدير الدور الإماراتي في دعم عملية التحرير وتأسيس النخبة.
وهيمنت على الأجواء شعارات وهتافات تمجد تضحيات قوات النخبة الحضرمية وتثمن الدعم الإماراتي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع في حضرموت على أنه كان عاملاً حاسماً، إلى جانب جهود أبناء المحافظة، في دحر تنظيم القاعدة من المكلا ومدن الساحل الأخرى في عملية عسكرية نوعية تمت في الرابع والعشرين من أبريل 2016.
ولم تقتصر الفعالية على الحشود والهتافات، بل تضمنت منصة رئيسية ألقيت منها كلمات لقيادات محلية وشخصيات اجتماعية وقبلية بارزة. وأجمعت الكلمات على أهمية الذكرى كرمز للانتصار على الإرهاب، وشددت على ضرورة الحفاظ على المكتسبات الأمنية التي تحققت بفضل قوات النخبة، والتي يُنظر إليها كنموذج للإدارة الأمنية المحلية الناجحة.
كما أكدت الكلمات على الالتفاف الشعبي الواسع حول المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره، من وجهة نظر المتحدثين، الممثل الشرعي لتطلعات قطاعات واسعة من أبناء حضرموت والجنوب بشكل عام.
ووصف سياسيون في تصريحات خاصة الحشد بأنه “صفعة جديدة” للمحاولات الرامية إلى تجاوز “الإرادة الشعبية الحضرمية” أو فرض أجندات سياسية لا تحظى بقبول محلي واسع النطاق.
رسائل متعددة الأوجه
كانت الكلمة الأبرز في الفعالية لنائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك. نقل فيها بن بريك تحيات رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي للحشود، مؤكداً أن العام الحالي سيكون “عاماً حاسماً” بعد عقد من النضال، مشدداً على أنه “لن يتم التهاون في الحفاظ على مكتسبات النخبة الحضرمية”.
وأشار بن بريك إلى أن حضرموت تواجه اليوم “تحديات جديدة ومتغيرات دولية”، ملمحاً إلى وجود “جهات تحاول إعادة الفوضى إلى المحافظة بعد أن نعمت بالأمن” عقب تحرير ساحلها.
وقدم اللواء بن بريك، الذي حضر إلى جانبه قيادات جنوبية أخرى مثل رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي علي الكثيري، ورئيس تنفيذية انتقالي حضرموت العميد سعيد المحمدي، ورؤساء تنفيذيات انتقالي المهرة وشبوة، الشكر لدول التحالف العربي، وخص بالذكر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لدعمهما المستمر لقوات النخبة الحضرمية. موجها تحية خاصة لأسر الشهداء والجرحى الذين سقطوا في سبيل “أمن حضرموت واستقرارها”.
وخلال كلمته، وجه بن بريك ثلاث رسائل نارية. وفي رسالته الأولى التي خص بها التحالف العربي، أشار بن بريك إلى أنه وعلى الرغم من ثروات حضرموت، فإنها لا تزال تعاني من تردي الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء، داعياً إلى تعزيز الدعم لتحسين الوضع الخدمي والمعيشي.
وفي رسالته الثانية التي خُصت لمجلس القيادة الرئاسي، قال بن بريك إن مضي أكثر من عامين على تشكيل المجلس دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض يستدعي “إعادة تقييم الأداء”، مؤكداً على أهمية تمكين شخصيات قادرة على الاستجابة لتطلعات المواطنين.
أما الرسالة الثالثة، فكانت تحذيراً شديد اللهجة للجهات التي اتهمها بالسعي لإعادة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش إلى حضرموت، قائلاً: “حرام عليكم حضرموت، لن نسمح بتحويلها مجدداً إلى ساحة للإرهاب والدمار”.
وأشاد بن بريك بدور قوات النخبة الحضرمية، مؤكداً أنها “ستواصل انتشارها في وادي وصحراء حضرموت”، وهي إشارة إلى المطلب المتكرر بنشر هذه القوات في مناطق الوادي التي لا تزال تحت سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية للحكومة والتي تلاحقها تهم عديدة بالتخادم مع مليشيات الحوثيين والإخوان، فضلا عن صلتها وتسهيلاتها لتنظيم القاعدة.
وأضاف بن بريك أن حضرموت “مؤهلة اليوم لتكون نواة الدولة الجنوبية القادمة بما تمتلكه من كفاءات وعقول”، وفي ختام كلمته، دعا بن بريك كافة شيوخ القبائل، وخص بالذكر شيخ مشائخ قبائل حضرموت عمرو بن حبريش، وجميع مكونات المجتمع الحضرمي، إلى “التكاتف وتوحيد الصف خلف مشروع حضرموت، حفاظًا على كرامتها وحقوقها ومستقبل أبنائها”.
تأكيد على الهوية الجنوبية
عقب الكلمات والفعاليات، أصدر البيان الختامي لـ مليونية “حضرموت أولاً”، لخص مواقف وتطلعات المشاركين. وجدد البيان الدعم الكامل لقوات النخبة الحضرمية، ووصفها بأنها “خط أحمر وجدت لتبقى كصمام أمان وأساس راسخ لأمن واستقرار حضرموت”.
وأكد البيان على أن عملية تحرير ساحل حضرموت عام 2016 لم تكن مجرد معركة أمنية، بل “سياسية أيضاً”، حيث مثلت “رفضاً عملياً لإعادة إنتاج أدوات نظام الاحتلال الذي جعل من الإرهاب وسيلة لإحكام قبضته على حضرموت”، في إشارة ضمنية إلى نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح وما بعده. وأشاد البيان بالدور المحوري للنخبة الحضرمية والدعم “الأخوي” من التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات.
وشدد البيان على أن حضرموت “كانت وستظل من المحافظات المبادرة والرائدة في المشروع الوطني الجنوبي”، مؤكداً أن “الجنوب الذي ننشده اليوم وغدًا… جنوب جديد – دولة فيدرالية حديثة – تقوم على مبادئ العدالة والتوازن، وتلبي استحقاقات جميع مكوناته، وفي مقدمتها مطالب واستحقاقات أبناء حضرموت التي أكدتها وأقرتها والتزمت بها وثائق وأدبيات المجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه”.
كما أكد البيان أن “حضرموت تمثل العمق الاستراتيجي للجنوب وركيزة أساسية من ركائزه. فلا جنوب بلا حضرموت، ولا حضرموت خارج إطار الجنوب”. ودعا البيان إلى توحيد الكلمة ونبذ الفرقة، مشيراً إلى أن “المجلس الانتقالي الجنوبي يمد يده لكل القوى والمكونات في حضرموت للعمل المشترك”.
وفسر البيان شعار “حضرموت أولاً” بأنه “تجسيد لدعوة للعمل من أجل المصلحة العامة لحضرموت… وهو تعبير عن ثقافة مدنية راقية تُسهم في ترسيخ الوعي الوطني الجامع في الجنوب”، معتبراً أن هذا التوجه يعكس “الدور الحضاري والقيمي الذي يمكن أن تلعبه حضرموت في الجنوب الفيدرالي الجديد”.
وقد طالبت مليونية “حضرموت أولا” بعدد من المحددات، وكان أبرزها: تعزيز قدرات النخبة الحضرمية: من خلال التأهيل المستمر والتجهيز النوعي، بما في ذلك الطيران المسير، وتحديث هويتها المؤسسية بإزالة رموز النظام السابق لتعزيز انتمائها “الحضرمي الجنوبي”.
وبسط سيطرة النخبة الحضرمية على كامل تراب حضرموت، وتكرار المطالبة بنقل قوات المنطقة العسكرية الأولى إلى جبهات القتال ضد الحوثيين، استناداً إلى مخرجات مشاورات الرياض.
ودعوة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لتنفيذ القرارات المتعلقة بأولويات ومطالب حضرموت العاجلة التي أقرت في 7 يناير 2025، مع التأكيد على أن هذه لا تمثل سوى “النذر اليسير” من حقوق حضرموت.
وجدد المشاركون “ثقتهم بقيادة الرئيس الزبيدي لمواصلة المسار النضالي حتى تحقيق كامل تطلعات شعب الجنوب وفي مقدمتها تحرير كافة الأراضي الجنوبية وقيام الدولة الجنوبية الفدرالية المنشودة”، مثمنين مواقف المجلس الانتقالي والرئيس القائد اللواء اللواء عيدروس الزبيدي الداعمة لمطالب حضرموت.
منظور حضرمي
لقد شكلت الذكرى فرصة لتسليط الضوء مجدداً على قوات النخبة الحضرمية، التي ينظر إليها في المحافظة كـ”نموذج ناجح” للإدارة الأمنية الذاتية بفضل تأسيسها ودعمها من الإمارات. وأشاد المتحدثون، ومنهم رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت العميد الركن سعيد أحمد المحمدي، بدور النخبة، مؤكدين أنها “صمام أمان حضرموت”.
وأعرب المحمدي عن رفضه لما وصفها بـ”القوى التي تعمل على تقزيم دور النخبة الحضرمية والساعية إلى تجاوزها بتشكيلات عسكرية جديدة”، محذراً من “زرع بذور الفتنة”. وأشار إلى أن مشروع المجلس الانتقالي الفيدرالي هو ما يمنح المحافظات صلاحيات إدارة شؤونها.
وأكدت كلمة المرأة، التي ألقتها الأستاذة أوسان باحسين، على اعتزاز المرأة الحضرمية بالنخبة ودورها في تحقيق الأمن، مشيرة إلى التاريخ النضالي للمرأة في حضرموت.
وفي تعليقه على الحدث، قال عضو مجلس المستشارين الجنوبي عن محافظة حضرموت، سالم أحمد المرشدي إن “استضافة المكلا لهذه الفعالية الحاشدة تعكس بوضوح “انتصار إرادة أبناء حضرموت وتصميمهم على المضي قدماً في المشروع الوطني الجنوبي”.
وأضاف المرشدي أن “حضرموت تتقدم بثبات لترسيخ موقعها التاريخي والمحوري في مسار استعادة الدولة الجنوبية”، مشيراً إلى أن ذلك يتم “على الرغم من المحاولات المستمرة التي تقوم بها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والحوثيين، وقوى الانقلاب والتطرف، بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار”.
وأوضح المرشدي أن “الإرادة الحضرمية” تتجسد في “التلاحم الشعبي الواسع الذي تجاوز الحديث عن الجنوب كونه مجرد شعار ليصبح مشروعاً سياسياً وهوية راسخة في وجدان الناس”.
وأكد أن أبناء حضرموت واجهوا بوعي محاولات زرع الفتنة، بفضل قيادة جنوبية موحدة ورؤية وطنية جامعة، معتبراً الفعالية بمثابة “استفتاء شعبي ورد عملي وحاسم”.
وحول دور الهوية الجنوبية في تحصين حضرموت، قال المرشدي إن “التحصين السياسي يبدأ من وضوح الهوية والانتماء. حضرموت اليوم لا تساوم على هويتها الجنوبية، وهذا بحد ذاته هو السد المنيع في مواجهة الإرهاب والمشاريع المشبوهة”.
وأضاف أن “كلما تعززت الهوية الجنوبية في الوعي الجمعي الحضرمي، تضاءلت فرص اختراقه من قبل أدوات الفوضى”. وشدد على أن “العمل التنظيمي المنظم، والتعبئة الشعبية الواعية، والتحرك السياسي المتزن بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، تشكل مجتمعة درعاً سياسياً يوفر الحماية لحضرموت”.
وعن الأولويات الاستراتيجية لحضرموت، أكد المرشدي على ضرورة “توحيد القرار الأمني والعسكري تحت قيادة جنوبية موحدة”، مجدداً الدعوة لإنهاء “الوجود العسكري اليمني” في وادي حضرموت.
كما شدد على أهمية “التمكين الاقتصادي” عبر استعادة السيطرة على الثروات وإدارتها محلياً لخدمة التنمية، وضمان “تمثيل سياسي فاعل” لحضرموت في مؤسسات الدولة الجنوبية المستقبلية بما يعكس ثقلها ويحترم خصوصيتها.
وفي كلمة لأبناء حضرموت الذين شاركوا في هذه الفعالية، قال سالم بامطرف، وهو مواطن في العقد الخامس من عمره: “هذا يوم لا يُنسى في تاريخ حضرموت، يوم استعدنا فيه أمننا وكرامتنا بفضل تضحيات أبنائنا في النخبة الحضرمية ودعم أشقائنا في الإمارات”.
وأضاف: “وجودنا هنا اليوم هو لتجديد العهد لهؤلاء الأبطال، وللتأكيد على وقوفنا مع المجلس الانتقالي لتحقيق أهدافنا المشتركة”.
وقال صلاح باعكابة، وهو مواطن خمسيني من ابناء مدينة الشحر، شرق المكلا: “هذه الحشود تعبير صادق عن نبض الشارع الحضرمي الذي يرى في المجلس الانتقالي خياره الاستراتيجي. رسالة حضرموت اليوم واضحة: قرارنا بيدنا، والتفويض الشعبي للمجلس الانتقالي هو تأكيد على فشل محاولات الالتفاف على إرادتنا”.
ويرى مراقبون حضارم أن هذا الحشد المليوني لم يكن مجرد احتفال بالذكرى، بل “تفويض شعبي صريح ومتجدد” للمجلس لاستكمال مساعيه نحو استعادة الدولة الجنوبية التي يعتقدون أنها ستضمن لحضرموت إدارة شؤونها وثرواتها. وقد بدا هذا جلياً، من وجهة نظرهم، في الهتافات واللافتات التي أكدت أن “حضرموت جنوبية وأن الانتقالي هو الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجنوب”.
وفي المجمل، عكست الفعالية الحاشدة في المكلا، بحسب المشاركين والمراقبين، إصراراً حضرمياً على المضي في المسار الجنوبي تحت لواء المجلس الانتقالي الجنوبي، مع التأكيد على مركزية قوات النخبة الحضرمية والمطالب المتعلقة بالسيطرة على كامل تراب حضرموت
زر الذهاب إلى الأعلى