كتب : رامي الردفاني
يقول طفل غزة عن طفولته الفريدة وحياته المثيرة؛ من قبل ولادته إذا ولد وحتى شبابه إذا كبر :
نعيش حياة كاملة في يوم واحد من من أيام غزة، منذ أن ينفخ فينا الروح وحتى المشيب.
يبدأ قتالنا في أرحام أمهاتنا نقاوم الخوف والسموم الجارية في دمائهن ونتشبث بالحياة في ساعات القصف الطويلة، تنحني الأمهات على بطونهن لا يبالين بأنفسهن لنعيش يعلمننا أن نكبر لنحرر أراضينا، يقاومن المرض والآلم لنتجرع من صبرهن، يمتن لنحيا ويتركننا لتربينا الحروب إذا لم تلحقنا بهن مباشرة.
نولد في العراء نخرج للدنيا على اضواء الحرائق والأنفجارات، نأخذ أول نفس وقد يكون الأخير نمتلأ برائحة الفسفور والدماء، يلتحف البعض ركام منازلهم التي تخشى عليهم وتقاوم قبل سحقهم تحتها، ملاجئنا كشوارعنا منعدمة الأمان تلحقنا الصواريخ أين ما ذهبنا، الصحة لا وجود لها فنحن في غزة الوليد يتجرع المعاناة لا يجد سوى البرد والجوع تحيط به جثامين وأشلاء أمه وأبيه وكل قريب، لا يبقى من يلفه ويدفئه ويسكت صراخة المرعب، يستقبل الحياة بزغاريد الصواريخ والطائرات وهلع الناس من حوله خوفًا وآلما
إذا نجونا من السحق والتشظي والتفحم والموت المصاحب لنجاتنا ولا يفارقنا، نكون بحاجة للرعاية الطبية المنهارة والعاجزة أمام تخفيف شيء من الألم الجسدي بحسرة، وحيدون لا ملاذ لا أحضان تدفئنا وتشعرنا بالأمان ولو لساعات لنغفوا بسلام.
هكذا يقول أطفال غزة لانجد الغذاء والحليب، أمهاتنا شهيدات أو يعتصرن جوعًا للقليل من لا شيء، لا كساء يلفنا أو يقينا شدة الشتاء المهلك، الأسواق خالية والمنافذ مغلقة في وجوهنا الصغيرة، نصرخ ولانجد صدى لأصواتنا إلا عند الله وحده، نرضع الإيمان والفداء نكتسي الصبر ونكبر بأمل ونصر مؤكد، قلوبنا نزحت من صدورنا وسكنت في الحناجر لا تجد متسعا للعودة.
آلاف الحكايات التي يعجز القلم عن تدوينها لشدتها قسوتها، آلاف الأحلام المتطلعة للمستقبل المحرر بأياديهم البريئة المفقودة، آلاف الأجساد الغير مكتملة النمو الكامل في الوعي والرشاد، عقولنا تعي كل مايحدث وكيف يجب أن تكون عليه حياتنا إذا نجونا، نحن الخطر الأكبر للعدو الغاصب المدمر لآماله بالسيادة، نحن بذور النصر المؤكد التي يزرعها تحت ركام منازلنا ويسقينا دماء أحبتنا ونهايتهم الوشيكة على أيادينا، نكبر لانجد سوى الدمار والمعاناة والتسلط من الغرباء على أملاكنا حقنا وأرضنا، لم ننعم بالهدوء يومًا، معتادون الشدائد نقتدي بحكايات البطولة والفداء، ألعابنا تنشد السلام تنشد الشهادة، طفولتنا لا تشبه مايقال عن الطفولة، فأفضلنا حالًا لا بيت يأويه ولا طعام يكفيه في أحضان بقايا عائلة إن كان هناك بقايا.
منا من غادر كل أحبته للجنة وترك وحيدًا بين النيران والعدم لا حضن لا ملجأ لا شيء سوى الذكريات وأطياف تغرق بالدماء والأشلاء.
منا من حلم باستكمال تعليمه لبناء وطنه وتحريره لكن مدرسته دمرت جميع زملائه شهداء ومعلميه كلهم مفقودون وهو لا يقوى على أستيعاب الرعب الدائم من حوله.
هناك من نام صحيح وكامل الأجزاء ليصحو فاقدا لرجليه أو يديه أو كليهما، يناشد كيف سأركض للصهاينة وأرميهم بحجارةً من سجيل لا تصد، كيف له اللعب والأكل إذا وجد الطعام ومن يلعب معه.
أطفال لم يرون الطفولة كما نعرفها يترقبون الموت ويلومونه لتركهم وحدهم أو أخذه لغالي، لا يعرفون سواء القليل ممايقال عنه الطفولة.
لكنهم أشداء لا يخنعون لا يرهبون، يتحرقون شوقًا لرؤية صباح نصرهم وتحرر الأقصى بأيادي آبائهم أو بأياديهم، يجعلون الطفولة تبتسم لهم بطريقتهم، يقاومون يتغلبون على الأهوال والصعاب لأنهم مميزون ويحملون قضية الأمة.
ذلك الحلم، تكلفته الآلاف والملايين هم وحدهم من يدفع ثمنه، لا يرقبون عون أحد من أمة هذا الزمان التي تبرأ منها عيسى ومحمد، لتهاونهم في دينهم وتخليهم عن قضيتهم وتفرقهم وسكوتهم، في وقت يقدرون فيه على التقليل من الثمن الأرواح التي تدفعه فلسطين وغزة أو مشاركتها بالقليل مقابل قضيتهم قوميتهم عزتهم نخوتهم وغيرتهم الميتة.
لنصلح أنفسنا لتصلح أمتنا وتستشعر سوء غفلتها
اللهم أطفال غزة أحفظهم وقوي عزائمهم وعجل في نصرهم.
زر الذهاب إلى الأعلى