مقالات وتحليلات

تجاهل الواقع الجغرافي والسياسي لشعب الجنوب نقطة البداية للحرب وقتل مباشر لعملية السلام

تجاهل الواقع الجغرافي والسياسي لشعب الجنوب نقطة البداية للحرب وقتل مباشر لعملية السلام

كتب : اصيل الحوشبي

في كل مفاوضات يتم فيها تجاهل الحقائق على الارض تتولد الازمات بدلا من الحلول وفي كل عملية سياسية يتم فيها القفز على ارادة الشعوب تتجدد اسباب الصراع وتضيع فرص السلام

وما يجري اليوم في كواليس المشاورات السياسية الاقليمية يعكس خللا كبيرا في مقاربة الملف الجنوبي خلل يتمثل في تجاوز الواقع الجغرافي والسياسي لشعب الجنوب ومحاولة فرض حلول جاهزة لا تراعي تضحيات الناس ولا رغبتهم في تقرير مصيرهم ولا تحترم الحقائق التي تشكلت على الارض منذ سنوات

الجنوب العربي ليس مجرد اقليم فرعي داخل دولة موحدة بل هو كيان له تاريخه وحدوده ومؤسساته وهويته قبل عام تسعين وقد دخل مشروع الوحدة من باب الشراكة وليس التبعية ولكن هذه الشراكة تم سحقها وتحولت الى مصدر للظلم والتهميش ما ادى في نهاية المطاف الى انفجار شعبي واسع وحرب شاملة

منذ عام الفين وخمسة عشر لم يعد الجنوب كما كان فقد تشكلت قوى سياسية وعسكرية وامنية وادارية باتت تمثل ارادة الجنوب وتحظى بتأييد شعبي واسع ومن الخطأ الفادح تجاهل هذا الواقع او محاولة تفكيكه من خلال صيغ سياسية تتجاهل التوازنات وتلغي الحقائق وتحاول اعادة انتاج الفشل بطريقة جديدة

السلام الحقيقي لا يبدأ من توزيع المناصب بل من الاعتراف بالاطراف الحقيقية على الارض واحترام مصالحها وخصوصياتها واي عملية سياسية لا تعترف بالجنوب كطرف سياسي مستقل بذاته وفاعل في الساحة لن تحقق الاستقرار بل ستؤدي الى تفجير الاوضاع من جديد

تجاهل الجنوب في تشكيل السلطة القادمة هو بمثابة تفخيخ مسبق للمشهد السياسي وفتح باب جديد للازمة كما ان محاولة اعادة الجنوب الى مربع الشراكة القسرية مع شمال غير مستقر ولا موحد ولا قادر على بناء مؤسساته هي خطوة غير واقعية ولن تلقى القبول شعبيا

ما يطرحه الجنوبيون اليوم ليس انفصالا عاجلا بل حكما ذاتيا مؤقتا يمكنهم من ادارة شؤونهم خلال المرحلة الانتقالية مع البقاء ضمن اطار الحل الشامل والنهائي الذي تحدده ارادة الشعوب عبر الاستفتاء هذا الحل الواقعي هو الذي يضمن التهدئة ويمنع التصعيد ويفتح الباب امام مرحلة جديدة من التفاهمات المتزنة

الجنوب لم يعد ملفا يمكن تجاوزه ولم يعد ممثلوه السياسيون مجرد ضيوف على طاولة التفاوض بل اصبحوا طرفا اصيلا في اي عملية سلام حقيقية واذا لم يتم الاعتراف بهذه الحقيقة فان المنطقة ستدخل في نفق جديد من الصراعات والتجاذبات

الخلاصة ان تجاهل الجنوب جغرافيا وسياسيا هو بداية الحرب وقتل مباشر لفرصة السلام وان الاستقرار لا يمكن ان يتحقق بالقفز فوق الحقائق بل بالاعتراف بها والتعامل معها بمسؤولية

ومن اراد السلام فليبدأ بالعدل ومن اراد الشراكة فليحترم الاخر ومن اراد الاستقرار فليعترف بالجنوب كما هو لا كما يريد له ان يكون

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى