مقالات وتحليلات

الجنوب وعُمَان: الفرص والتحديات

الجنوب وعُمَان: الفرص والتحديات

كتب/ فضل صالح

تأتي افتتاحية صحيفة عُمان المعنونة بـ “اللحظة الأخطر في تاريخ اليمن الحديث” في سياق إقليمي شديد الحساسية، تتشابك فيه المخاوف الأمنية مع التحولات السياسية العميقة. غير أن قراءة هذه الافتتاحية من زاوية جنوبية تفرض طرح تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذه المخاوف، وحدودها، وما إذا كانت تعبّر عن حرص حقيقي على الاستقرار، أم عن قلق من تغيّر موازين قائمة اعتادها الإقليم لسنوات؟!

إن الجنوب، وهو يعيد ترتيب واقعه السياسي والأمني، الواقع الذي انقلب عليه شريك الوحدة من خلال حرب صيف ٩٤م، وبعد عقود من الإقصاء والفوضى المنظمة والاضطراب، لا ينظر إلى الجوار بوصفه خصما، ولا يتعامل مع سلطنة عمان إلا باعتبارها دولة جارة تجمعها به روابط تاريخية وجغرافية. واجتماعية عميقة. لكن العلاقات في السياسة كما في التاريخ، لا تُقاس بحسن النوايا وحدها. بل بمدى القدرة على قراءة التحولات. واحترام إرادة المجتمعات.

*الجنوب بين الاستقرار والتحول* 

ما تشهده حضرموت والمهرة اليوم لا يمكن اختزاله في توصيف (الانزلاق نحو الفوضى) أو (كسر الاعتياد على الاستقرار) كما ذهبت إليه الافتتاحية. فذلك (الاستقرار) الذي جرى التمسك به كان -في كثير من جوانبه- استقرارا هشًّا قائما على فراغ الدولة، وتوازنات غير مكتوبة، وغياب تمثيل سياسي حقيقي لأبناء هذه المناطق.

التحولات الأخيرة مهما اختلفت التقييمات حولها، تعبّر عن إرادة جنوبية قوية، وصلبة لإعادة الإمساك بالأمن، والقرار المحلي، بعد أن تآكلت الدولة اليمنية المركزية، وفسدت شرعيتها، وفقدت قدرتها على إدارة الأرض والموارد، ومن الخطأ النظر إلى هذه التحولات بوصفها تهديدا بحد ذاتها؛ فالتهديد الحقيقي يتمثل في استمرار الفراغ، لا في ملئه بقوى جنوبية تبحث عن استعادة الدولة الجنوبية المغدور بها في العام ٩٤م، وتنظيم الواقع بما يتناسب مع دولة جنوبية لديها القدرة على حماية أمنها، وحدودها، والحفاظ على حسن العلاقات مع الجوار.

*لماذا القلق العماني؟*

القلق الذي عبرت عنه الصحيفة العمانية في افتتاحيتها، يمكن فهمه في إطار الهواجس الحدودية والإقليمية، وهو قلق مشروع من حيث المبدأ لأي دولة مجاورة؛ غير أن تحويل هذا القلق إلى خطاب تحذيري يلوّح بخطر التقسيم والصراع، دون التوقف عند جذور الأزمة وأسبابها، يفضي إلى قراءة ناقصة للمشهد الجنوبي.

فالجنوب اليوم لا يسعى إلى تصدير أزمته إلى الجوار، بل إلى تحصين ساحته الداخلية، ومنع تحويلها إلى ممرّات مفتوحة للفوضى، أو مسرح لتقاطعات نفوذ غير منضبطة، وإذا كانت المهرة وحضرموت تمثلان عمقا استراتيجيا للجنوب. فهما في الوقت ذاته تمثلان عمقا أمنيا لجيرانهما، واستقرارهما الحقيقي لا يتحقق إلا بإدارة جنوبية محلية قادرة مستدامة، لا بترتيبات مؤقته، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا في إطار الدولة الجنوبية المستقلة.

*الفرص المشتركة بين الجنوب وعمان*

بعيدا عن لغة التحذير، تبرز بين الجنوب وعمان فرص حقيقية للتعاون لو أحسن التعامل مع التغييرات: 

* الجنوب المستقر يشكّل عامل أمان للحدود العمانية، لا مصدر تهديد لها.

* تنظيم المعابر والموارد تحت سلطة دولة جنوبية قوية، وسلطة محلية واضحة يحد من التهريب والفوضى، بدل من توسّعهما.

* العلاقات المبنية على القانون الدولي، والاحترام المتبادل للإرادة السياسية الجنوبية تفتح آفاق تعاون اقتصادي، وتجاري، وأمني مستدام.

  هذه الفرص تتبدد حين يُنظر إلى التحولات الجنوبية بوصفها تهدبدا، وخطرا مطلقا، لا كواقع جديد يمكن استيعابه والبناء عليه.

*التحديات وحدود المسئولية* 

 في المقابل لا يمكن إنكار وجود تحديات حقيقية، أبرزها: 

* خطر تعدد القوى

* تباين المرجعيات. 

* احتمال الانزلاق إلى صراعات داخلية إن غاب الإطار السياسي الجامع.

لكن مواجهة هذه التحديات لا تكون عبر التخويف الإعلامي، بل عبر دعم مسار الاعتراف بالدولة الجنوبية، والتنظيم المؤسسي والحوار مع الجنوب.

كما أن تحميل الجنوب وحده مسؤولية القلق الإقليمي يغفل حقيقة أن سنوات الصراع السابقة، وسياسات إدارة الأزمة، هي التي أوصلت المنطقة إلى هذا المفترق. 

إن العلاقة بين الجنوب وسلطة عمان تقف اليوم عند مفترق طرق، إما أن تُدار بمنطق الخوف من التغيير، فتتحول التحولات الجنوبية إلى مصدر توتر دائم، وإما أن تُدار بمنطق الفرص، فيعترف بدولة الجنوب. وينظر إليه بوصفه شريكا في الأمن والاستقرار، لا عبئا عليه.

الجنوب لا يبحث عن خصومات جديدة، ولا عن صدام مع الجوار، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع العودة إلى ما قبل التحوُّل.

ومن هنا، فإن القراءة الأكثر حكمة هي تلك التي تتعامل مع الواقع كما هو، لا كما كان، وتبني عليه تفاهمات تحمي المصالح المشتركة، وتحترم إرادة الشعوب، وتؤسس لجوار آمن ومستقر.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى