تقـــارير

فرض أمر واقع وتطبيع الأوضاع… خطوة محسوبة على طريق الاعتراف الدولي

فرض أمر واقع وتطبيع الأوضاع… خطوة محسوبة على طريق الاعتراف الدولي

صوت الضالع / عين الجنوب

في مسار التحولات الكبرى، لا يولد الاعتراف الدولي من فراغ، ولا يُمنح ببيانات سياسية فقط، بل يُنتزع على الأرض عبر الوقائع المستقرة، والإدارة الفاعلة، والقدرة على ضبط الأمن وتقديم الخدمات. من هذا المنظور، يبدو أن فرض أمر واقع متماسك، يترافق مع تطبيع شامل للأوضاع، لم يعد مجرد خيار سياسي، بل ضرورة استراتيجية في طريق تثبيت الحضور الدولي لأي كيان يسعى للشرعية والاعتراف.

تُظهر التجارب الدولية أن المجتمع الدولي، ممثلًا في القوى الكبرى والمؤسسات الأممية، يتعامل ببراغماتية عالية مع الأزمات المعقدة، إذ ينجذب إلى الطرف القادر على إدارة الأرض، وحماية المصالح، ومنع الفوضى. وفي هذا السياق، يتحول “الأمر الواقع” من توصيف سلبي إلى معطى سياسي يُبنى عليه، خصوصًا عندما يقترن باستقرار أمني نسبي، وانتظام إداري، وخطاب سياسي عقلاني يطمئن الخارج.

إن تطبيع الأوضاع في المدن والمناطق الخاضعة للإدارة المحلية، عبر إعادة تشغيل المؤسسات، وضبط الإيرادات، وتحسين مستوى الخدمات، يرسل رسائل مباشرة إلى العواصم المؤثرة مفادها أن هناك سلطة قادرة على الحكم، لا مجرد قوة احتجاج أو حالة طوارئ مؤقتة. هذه الرسائل لا تمر مرور الكرام، بل تُقرأ بعناية داخل مراكز القرار، حيث تُقاس الشرعية اليوم بمدى القدرة على الاستدامة لا بالشعارات.

كما أن فرض الاستقرار يفتح الباب أمام انخراط تدريجي مع المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية، التي لا تعمل إلا في بيئات آمنة نسبيًا، وتتعامل بحكم الواقع مع السلطات القائمة على الأرض. ومع الوقت، يتحول هذا الانخراط الفني والإنساني إلى تواصل سياسي غير معلن، ثم إلى اعتراف عملي، حتى وإن تأخر الإعلان الرسمي.

ولا يقل البعد الإقليمي أهمية عن الدولي، إذ إن القوى الإقليمية غالبًا ما تسبق المجتمع الدولي في الاعتراف بالأمر الواقع عندما تلمس جدية في الشراكة، وقدرة على حفظ التوازن، ومنع تحوّل الجغرافيا إلى مصدر تهديد. وعندما يتقاطع الرضا الإقليمي مع البراغماتية الدولية، يصبح الاعتراف مسألة وقت وتوقيت، لا مسألة مبدأ.

في المحصلة، فإن فرض أمر واقع منضبط، مقرون بتطبيع شامل للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، ليس مغامرة، بل مسارًا مدروسًا تسلكه الكيانات التي تفهم منطق العلاقات الدولية. فالعالم لا يعترف بالنوايا، بل بالحقائق، ولا يراهن على الوعود، بل على الاستقرار القابل للاستمرار. ومن ينجح في صناعة هذا الواقع، يضع قدمه بثبات على عتبة الاعتراف الدولي، مهما طال الطريق.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى