الحمد لله على نعمة الانتقالي…كتب/ محمد باوزير..
من خلال عنوان مقالي قد يقول قائل تلمِّعون أنفسكم، وقد يقول الآخر دع الآخرين يشهدون عنكم، نعم من حق أي معارض للمجلس الانتقالي أن يقول هذا الكلام، وأزيد على ذلك أنه فعلا لا يحق لنا أن نمتدح أنفسنا، بل أن شهادتنا مجروحة في ذواتنا، ولكنني عنونت هذا المقال لأتحدث عن الانتقالي من زاوية أخرى بعيدة نسبيا عن الإدراك المباشر إذ يحتاج لعين ثاقبة لمحلل مقتدر في الشأن السياسي ليقرأ ما بين السطور..
فالحمد لله على نعمة الانتقالي ليس لأنه جمع الشتات الجنوبي فحسب، وليس لأنه وحّد المكونات الوطنية تحت مظلة سياسية جامعة، وليس لأنه الحامل الأمين والكيان الصلب الذي أسس لمنظومة أمنية وعسكرية وإدارية في الجنوب، وليس أيضا لأنه الكيان الذي أَيَّده ووَثَق به وسار خلفه السواد الأعظم من شعبنا، وليس لأنه الذي علّمنا العمل المؤسسي المنظم، وليس لأنه الكيان الذي وضع النواة الأولى لبناء مؤسسات دولة الجنوب، وليس لأنه وازن بين الفعل الثوري والتأثير السياسي ونجح باقتدار في إيصال ملف قضية شعب الجنوب للأطر الدولية العليا ووضع تطلعات شعبنا على طاولات صانعي القرار، وليس لأنه عمل ويعمل في الجانب الإغاثي والتنموي والتنويري ووقف ولا زال يقف داعما ومساندا لأنشطة الإنسانية والمجتمعية الشبابية وقطاعات الطفل والمرأة، وليس لأنه أوجد لنا إعلاما وطنيا خلال سنوات قليلة استطاع أن يكبح به جماح الآلة الإعلامية الضخمة للمحتل والمعادية لتطلعات شعبنا، وليس لأنه كسر جموح وغطرسة وبطش وصلف جحافل المحتلين الغزاة القادمون من خلف حدودنا الوطنية بمختلف تكويناتهم القبلية والسياسية والإيدلوجية، وليس لأنه القوة السياسية الجنوبية التي تمتع قادتها بالدهاء السياسي والحنكة الدبلوماسية والتمكن الإداري، وليس لأنه عمل ويعمل متبعا سياسة النفس الطويل يخطو كل خطواته بثقة مطلقة وبشكل منفتح على الجميع حتى مع العدو، يجاري الأحداث بمرونة متناهية ويتفاعل معها ويؤثر فيها ويتأثر بها، ليعبر بقضية شعبه عبر الطريق الآمن، وليس أيضا لأنه أخرس ألسنة ساسة الشمال وأعوانهم، وألجم إدعاءاتهم وفضح أكاذيبهم وعراهم أمام العالم، وانتزع منهم مكاسب سياسية عسكرية واعترافات تاريخية، ليس كل ذلك فحسب.. إنما أكتب هذه الأسطر متحدثا عن أمر واحد فقط ونقطة مضيئة في تاريخ هذا الكيان الذي لا يزيد عمره عن ست سنوات فقط، حديثي عن تمكن هذا الكيان العظيم “المجلس الانتقالي الجنوبي” من فعل مالم تستطع أحزاب ومكونات وقوى الشمال والجنوب السابقة والحديثة مجتمعة أن تفعله خلال فترات عمرها السياسي الطويل..
لقد كان ولا زال المجلس الانتقالي الجنوبي منذ اليوم الأول كيانا ينضح بالوطنية، كيانا يأبى إلا أن يكون جامعا منفتحا على كافة شرائح ومكونات المجتمع الجنوبي وحتى معارضه، يحفظ حقوقهم ويرعى حرياتهم حتى من ينعقون عليه من عقر داره، ففي كل مرة وفي كل جولة كان المجلس الانتقالي ينظر لخصومه رغم كونهم سبب ضعفنا وهواننا وتفرق صفنا وتشتت كلمتنا خلال ما مضى من سنوات عمره السياسي، إلا أنه سار على نهج القبول بالآخر واحترام الجميع، رحب ويرحب بهم ويدعو دائما للشراكة في صنع مستقبل الوطن الواعد، فحينما يقول الرجل الأول في هذا المجلس سيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي حفظه الله ورعاه أن “الوطن بكل ولكل أبنائه” فهو بذلك يلخص مشهد وطني خالد لا تكفى مجلدات عريضة للحديث عن هذه المعاني العظيمة، وحينما يدعو سيادة الرئيس الجميع للحوار وطرح كل المشاريع على الطاولة ويؤكد أن “من لم يأتي إلينا سنذهب إليه”، فهو بذلك يصنع موقفا للتاريخ، موقف ستدرسه الأجيال ولن تغفل عنه أرقى الجامعات المختصة بالعلوم السياسية والإنسانية..
فبالرغم من امتلاك المجلس الانتقالي الجنوبي عناصر القوة السياسية والشعبية والعسكرية والتحكم بأوراق اللعب والسيطرة على المشهد السياسي في الجنوب منطلقا من مشروعية وعدالة القضية التي يحملها، ومشروعية التفويض والحب الشعبي الجامح ، إلا أنه يأبى أن يسير بمفرده في طريق بناء وإدارة الدولة رغم أحقيته بذلك، بل سعى ويسعى بأن يكون الجميع شركاء في رسم ملامح المستقبل بأفق واسع، ونظرة استشرافية تتطلب من الجميع وضع اللبنات الأساسية للوطن الموعود، الوطن الذي لن يكون إلا لكل وبكل أبنائه، كي يُبنى على أساس متين ولا يتعرض لاحتمالية السقوط والانهيار من أسهل العواصف التي قد تمر به.
زر الذهاب إلى الأعلى