جاء إعلان الولايات المتّحدة عن قيام مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ بجولة خليجية “للدفع بجهود السلام الجارية في اليمن” بمثابة طمأنة أميركية للسعودية بشأن مواصلة واشنطن دعمها للجهود التي انخرطت فيها المملكة بهدف إيجاد حلّ سلمي للأزمة اليمنية يضمن لها خروجا آمنا من الصراع الذي طال أمده، وثقلت فاتورته المادية دون أفق لتحقيق انتصار فيه.
وأصبحت حالة التوتّر القائمة في المنطقة جرّاء الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية وتهديد الحوثيين وأذرع إيرانية أخرى بالانخراط فيها، مثار قلق السعودية على الجهود الكبيرة التي بذلتها لتهدئة الصراع في اليمن ومحاولة إنهائه سلميا بتقديم تنازلات لجماعة الحوثي وداعمتهم إيران، وذلك حرصا منها على إطلاق عملية سلام شاملة تطوي صفحة الحرب اليمنية، وتتيح لها التفرّغ لمخططها التنموي الطموح الذي يتطلّب قدرا كبيرا من الهدوء والاستقرار في المنطقة برمّتها كونه يقوم بشكل أساسي على جلب الاستثمارات الخارجية وتحويل المملكة إلى قطب سياحي جاذب.
ومن شأن اتّخاذ الولايات المتّحدة لموقف راديكالي من الحوثيين باعتبارهم طرفا غير مؤهّل للمشاركة في عملية سلمية تضمن لهم دورا في مستقبل اليمن، أن يعقّد جهود السعودية ويفقدها مساندة واشنطن في جهودها لإحلال السلام وبسط الهدوء على حدودها الجنوبية، وهو ما لا ترغب فيه الرياض.
ويظهر إيفاد ليندركينغ إلى المنطقة أن واشنطن ما تزال تمارس سياسة ضبط النفس إزاء الحوثيين المحسوبين ضمن المحور الإيراني، والذين يعلنون بشكل متكرّر استهدافهم لإسرائيل بصواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، إلى جانب إعلانهم قبل أيام عن إسقاط طائرة أميركية مسيّرة قبالة السواحل الغربية لليمن.
وتقول مصادر سياسية غربية إنّ مواصلة واشنطن لدعم الرياض في جهودها السلمية باليمن في هذه الأجواء المتوّتّرة مأتاه مواصلة السعودية لضمان مصالح الولايات المتّحدة.
ويشرح هؤلاء أنّ المصلحة الآنية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في هذه المرحلة تتمثّل في إنجاح جهودها لإقامة علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل.
ويؤكّدون أنّ الرياض استشعرت الحاجة الأميركية لهذا الإنجاز ووجّهت رسائل واضحة بشأن عدم تراجعها عن مسار التطبيع رغم استحالة إنجازه في الفترة الحالية.
وورد ذلك على لسان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الذي أكّد على هامش مشاركته مؤخرا في منتدى بلومبرغ للاقتصاد الجديد بسنغافورة استمرار بلاده في مسار التطبيع مع إسرائيل مؤكّدا أنّه يتم كل يوم الاقتراب من تحقيق ذلك.
وعلى خلفية مساعدة السعودية في تحقيق السلام باليمن، التقى ليندركينغ، الثلاثاء، بوكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية بسلطنة عُمان خليفة الحارثي، من أجل الدفع بالعملية السلمية.
وجاء انطلاق جولة المبعوث الأميركي من مسقط بالنظر إلى الدور المحوري الذي تقوم به سلطنة عمان في الوساطة بين السعودية والحوثيين والتي أثمرت عن تحقيق تقارب كبير بينهما تجلى في لقاءين مباشرين بينهما في كل من صنعاء والرياض.
وقالت وزارة الخارجية العُمانية عبر حسابها على منصة إكس:
وجاء وصول ليندركينغ إلى مسقط غداة زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي إلى السلطنة حيث التقي نظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في وقت سابق أن المبعوث الخاص إلى اليمن سيبدأ الأسبوع الجاري جولة جديدة في دول الخليج، للدفع بالجهود الحالية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن.
وقالت في بيان صحفي إنّ “ليندركينغ يتّجه إلى الخليج العربي لدعم التنسيق الإقليمي للتوصل إلى نهاية دائمة للصراع”.
وأكد البيان “التزام الولايات المتحدة بضمان التوصل إلى حل سلمي للصراع في اليمن”. وتابع “نعمل بشكل وثيق مع شركائنا لدعم جهود السلام برعاية الأمم المتحدة ووضع حد للمعاناة الهائلة التي تسبب بها هذا الصراع”.
كما أوضح البيان أنّ ليندركينغ سيجتمع خلال زيارته بشركاء يمنيين وسعوديين وعُمانيين وإماراتيين ودوليين، لمناقشة الخطوات اللازمة لضمان وقف إطلاق نار دائم وإطلاق عملية سياسية شاملة بقيادة الأمم المتحدة ومواصلة الجهود للتخفيف من الأزمة الاقتصادية والمعاناة التي تثقل كاهل اليمنيين.
وشدد المبعوث الأميركي من جانبه على ضرورة اغتنام اليمنيين الفرصة الراهنة قبل فوات الأوان، من أجل إنهاء الصراع والانتقال إلى السلام “حيث أن الصراع الإقليمي القائم حاليا بين إسرائيل وحماس من شأنه أن يقوض السلام في البلاد في حال توسعه”.