كتب ; أمجد الابجر أبو عيدروس
طَال الْغِيَاب وَتَعَاظَمَت الْأَشْوَاق، حَتَّى فَاقَتْ حُدُود الْعَادَة، وَتَعَدَّتْ مَدَى الطَّبِيعَة، وَصَار الْحُنَيْن إلَيْك لَا تَصِفُهُ الْكَلِمَات وَمُرَادِفُاتِهَا، وَلَا تَنَصُّفِه الْعِبَارَات وَبَلَاغَتِهَا، وَعَلَى أَثَرَةٍ لَا يَهْدَأُ ضَجِيج الشَّوْق.
فِي ذِكْرِي رَحِيلك الثَّانِيَةُ، أَكْتُبُ عَنْك قَائِدِي، وَأَنَا أُقَاسِي مِنْ فَأَجَعه رَحِيلك، وَظَلَامٍ الْبُعْد، وَأُجَاهِد مَشَاقّ الْفِرَاق، وَمَا إنْ تَشْتَدّ الْمَعَارِك وَتَأْتِي الصِّعَاب، وَيَحِلّ الظَّلَام؛ اخْتَلَق وُجُودِك بِذَاكِرَتِي، وَأَرَسم بِمُخَيلتي مُشَاهَدٌ مِنْ ذِكْرَيَاتِ مَضَتْ، عَل الْوَاقِع يُشَابِه إحْدَاث الْخَيَال يَوْمًا، وَتَحِلّ دُون الْأَطْيَاف الظِّلَالُ، وَنَلْتقي بِمَسْاحَات التَّخَيُّل عِوَضًا عَنْ مِسَاحَات الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ رُؤْيَاك بِمُحِيط الْخَيَال وَجَع وَمَأْسَاة،
عَامَانِ مَضَتْ، أَطْرَق فِيهَا أَبْوَابُ الْأَدَبِ وَاللُّغَة، وَأَبَحْت بَيْنَ الْحُرُوفِ وَخَلَّف الْكَلِمَاتِ، عَنْ وَصْفِ يَلِيق بِك،
عَامَان مَضَتْ، أُعِيدَ فِيهَا الْكِتَابَةَ عَنْك، لِعَلِيّ أَرْوَى حُزْنِي بِطَرِيقِه صَحِيحَة،
عَامَان مَضَتْ .. وَالدُّمُوع تَتَفَوق
عَلَى الْقَلَمِ فِي وَصْفِ الْحُزْن وَالْأَلَم، وَتَسْقُط عَلَى الْعِبَارَاتِ الَّتِي أَحْيَكها وَأَدْوَنُهَا، إذَا مَا اعْتَرَانِي الشَّوْق وَغَلَبَنِي الْحُنَيْن.
أَيُّهَا الْمُجَاهِد الْعَظِيم..
عَادَتْ فَأَجَعه رَحِيلك، لَتَذْكُرَنَّا بِكُلِّ الْأَعْوَامِ الَّتِي عِشْت فِيهَا، مُحَارِبًا، وَقَائِدًا، مُسَطَّرًا أَرْوَع الِانْتِصَارَات الْبُطُولَيْه، وَالْمَلَاحِم الْخَالِدَةُ، الَّتِي تَجَسَّد لَنَا مَعْنَى النَّظال وَالْإِرَادَةِ وَالتَّضْحِيَة وَالْفِدَاء، وَنَتَزَوَّد مِنْهَا الْقُوَّةُ وَالْعَزْم وَالصَّبْر.
أَيُّهَا الْمَقَاتِل الْعَظِيم..
عَادَتْ فَأَجَعه رَحِيلك، تَحْمِلُ بَيْن تُطِياتِهَا وَجَعًا يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَذِكْرِي فِرَاق فَارِس عَاش حَيَاتِهِ، فِي سَاحَات الْمَعَارِك، وَمَيَادِين الْوَغَى مُدَافِعًا عَنْ وَطَنِهِ.
أَيُّهَا الْقَائِد الْعَظِيم..
سَأُظْل أَبْحَث بِمَعْاجم اللُّغَةُ، وَخَلَّف الْحُرُوف وَبَيْن الْكَلِمَات، حَتَّى أَنْصَفَك، وَلَكِنْ أَجْزِم لَك إنَّنِي لَنْ أَفْلَح فِي ذَلِكَ مَهْمَا بَحَثْت وَمَهْمَا فَعَلْت، فَتَارِيخُك عَظِيمٌ، فَاقَ كُلَّ مَقَايِيس الْعَادَة وَالطَّبِيعَة، وَصَارَ لَا يُوصَفُ وَلَا يُرَدّ.
فَالسَّلَامُ عَلَى الْمُسَافِرِ بِقَصْتي وَمَنْ صَارَ حَدِيثَيْ، وَعَلَى كُلِّ الرَّاحِلِين وَسُكَّان الْقُبُور.
عَلَى رُوحُك السَّلَامُ أَيُّهَا الشَّهِيد الْقَائِد مُحَمَّد الشَّوبجي .!!
زر الذهاب إلى الأعلى