مقالات وتحليلات

عهد دمشقي جديد.. السلطان في ساحة الأمويين

عهد دمشقي جديد.. السلطان في ساحة الأمويين

 

كتب : احمد عبد اللاه 

إعتقدَ كثيرٌ من المحللين أن رئيس تركيا في مرحلة حكمه هذه قد تخلى عن مشروع “العثمانية الجديدة” وعاد لطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي و تصفير المشاكل مع الجيران العرب، لكنه في الحقيقة كان يجهز مليشيات التنظيمات الإسلامية الموالية بهدف اجتياح سوريا وإسقاط نظامها في الوقت المناسب.

لقد منحته حرب غزة وتداعياتها فرصة استراتيجية وكان عليه استغلالها خاصة بعد أن تسببت بتهالك سريع لما يسمى بمحور إيران في المنطقة وفرضت تراجعاً كبيراً لمشروعها ونفوذها. يضاف إلى ذلك انشغال الحليف الاقوى لسوريا (موسكو) بحرب أوكرانيا. 

 وبينما كانت قوات المعارضة تقتحم المدن السورية واصل الرئيس التركي دعوته لإيجاد تسوية سياسية مدركاً أن (الأسد أصبح في القفص) و محاولاً إبعاد مسؤوليته عن دعم الاجتياح. الأسد من ناحيته كان على يقين بأنها مناورات الساعات الأخيرة مع استحالة إجراء تسوية من موقع الضعيف المنهك. فالسقوط أهون، في لحظة لم يعد التنحّي والانتقال السلمي للسلطة متاحاً ولم تعد المواجهة ممكنة ومبررة بعد المسار الدموي للصراع الذي دام منذ عام ٢٠١١ م. 

لا أحد يعلم التفاصيل لكن النتائج تكشف المقدمات، أي أن (الأسد الصغير) قد أدرك بأنه تُرك وحيداً وأن الحلفاء من حوله ليسوا كما كانوا في سيرتهم الأولى ولا يمكنهم إنقاذه هذه المرة. إضافة إلى أن “جيش النظام” لم يبق منه سوى تشكيلات عسكرية منهكة ولم يعد بإمكانه خوض حروب جديدة من أجل بقاء الأسد، كما أن الحاضنة الشعبية المتبقية مستهلكة و مستنزفة. أي لا قرار سوى تحديد كيفية السقوط. وتلك أكثر اللحظات سواداً في تاريخ الدكتاتوريات. 

تبخر اذن الجيش العربي السوري من الميادين وفي المقابل تقدمت قوات “المعارضة الإسلامية” بالزي الجديد والخطاب المتصالح لغرض إبعاد شبهة الإرهاب، لكن البصمة الكيميائية تبدو باقية والعقيدة الجهادية لا تتغير و إنما لضرورات التقية، مع التقنيات المضافة من الراعي الإقليمي، يبروزها بألوان جديدة.

وأيا كان شكل الأيام والساعات الأخيرة لكن يبدو أن (سكريبت) نهاية الدراما قد كُتبَ بالتوافق بين اللاعبين الكبار من خلال صفقة ستتضح ملامحها تدريجياً إذا لم يكشفها سلوك إسرائيل بشكل مبكر.

ذهب النظام الذي حكم نصف قرن بالحديد والنار مخلفاً وراءه وضعاً غامضاً قد تُؤخَذ سوريا خلاله إلى مصائر معتمة خاصة وأن القوى الكبرى سوف تبحث عن حصتها ولن تترك بلاد الشام لأهل الشام أو لطرف واحد يتحكم بوضعها عداك عن أن المعارضة الإسلامية لن تلبث طويلاً حتى تكشف عن منهجها العقائدي في الحكم وربما تتفجر صراعات بينية كما شاهدنا في غير بلد.

الحكاية لا تنتهي عند سوريا عزيزي القارئ و عليك أن تتذكر بأن صراع النفوذ في الشرق الأوسط لعبة قديمة متجددة في كل عهد. تستخدم فيها وسائل شتّى وكذلك الشعارات الدينية وغيرها لاستغلال الشعوب التواقة للتحرر وبناء الدول العصرية بمحتواها المدني والديمقراطي.

التاريخ اليهودي وأساطيره “أسس أزمة وجودية في الشرق الأوسط” ولم تنجح الحركة القومية أو الدول الوطنية في مواجهة إسرائيل أو احتواء تداعيات الاحتلال. أما الشق الآخر من تلك الأزمة فإنه يتمثل في طبيعة النظام العربي وظهور التنظيمات الإسلامية المتطرفة وداعميها الإقليميين من العرب وغير العرب.

ذلك دليل بأن الشرق الأوسط منطقة أزمات تتنقل بين بلدانه ولا مأمن لأحد حتى تلك الرابضة على الرمال الساخنة ولا يمكن للشرق أن يذهب في طريق الحداثة والنمو والاستقرار إلا بإلحاق هزيمة نهائية بالتنظيمات المتطرفة وبناء دول مدنية عصرية وإيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.

سقط الأسد وحكم العائلة، وذلك استحقاق سوري، تحرر على أثره الشعب من أطول حكم دكتاتوري في تاريخ المنطقة. أما البديل الذي يحلم به شعب منكود فلم يأت بعد ولا يمثله ظل السلطان وهو يتمدد فوق ساحة الأمويين. لكنها مرحلة انتقالية سوف تحمل الكثير من الاحداث قبل ان تعود سوريا لشعبها الأصيل.

احمد عبد اللاه

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى