تقـــارير

التصحيح السياسي للشراكة مع الأطراف اليمنية: رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي لمستقبل الجنوب

التصحيح السياسي للشراكة مع الأطراف اليمنية: رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي لمستقبل الجنوب

تقرير / محمد الزبيري

تشكل الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والأطراف اليمنية المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي والتي تأسست بموجب اتفاق الرياض الذي تحقق في نوفمبر 2019 م برعاية المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إحدى ركائز تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في الجنوب خصوصاً والمناطق المحررة على وجه العموم.
ومع ذلك، فإن استمرار العراقيل والتباينات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والأطراف اليمنية التي تلكأت في تنفيذ بنود هذا الاتفاق أدى لفشل هذه الشراكة وتأثير هذا الفشل على الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي للجنوب الذي يعاني شعبه من تدهور الأوضاع المعيشية بصورة تجعل من تصحيح هذه الشراكة خطوة حتمية لا يمكن تجاوزها قبل نقاش أي تعديل حكومي وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة.

المجلس الانتقالي الجنوبي: جهود كبيرة وإفشال متعمد

جاءت الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية نتيجة لاتفاق الرياض، الذي رعته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عام 2019، بهدف توحيد الجهود لمواجهة ميليشيا الحوثي وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس الانتقالي الجنوبي لإنجاح هذه الشراكة، إلا أن الأطراف اليمنية الأخرى عمدت إلى عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق، مما أدى إلى تعثر تحقيق أهدافه وتفاقم معاناة الجنوبيين في مخطط أرادت الأطراف اليمنية تحقيقه لعرقلة خطوات الجنوب نحو الاستقلال عبر إغراقه بالفوضى والأزمات.

أبدى المجلس الانتقالي الجنوبي التزامًا كاملًا بتنفيذ جميع بنود اتفاق الرياض، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
وقدم تنازلات كبيرة لضمان نجاح الشراكة كما انخرط المجلس في تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، وساهم في تقديم مرشحين أكفاء لشغل المناصب، في إطار السعي لتحقيق التوازن والاستقرار.
تعامل المجلس الانتقالي الجنوبي مع اتفاق الرياض بجدية كاملة وحرص على التعاون مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واعتبر التحالف شريكًا أساسيًا في مواجهة التهديدات الأمنية والسياسية لكن التزام المجلس وحرصه على تنفيذ الاتفاق والتعاون مع التحالف العربي قوبل بتلكؤ الأطراف اليمنية عن تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق وإبقاء أغلب بنوده حبراً على ورق.

عراقيل الشركاء اليمنيين وإفشال الشراكة

امتنعت الأطراف اليمنية عن تنفيذ البنود الرئيسية لاتفاق الرياض، خاصة تلك المتعلقة بإعادة تموضع القوات العسكرية، وتسليم الأمن لقوات محلية
واستمرت القوات التابعة للإحتلال في السيطرة على وادي حضرموت متجاهلة المطالب الشعبية الجنوبية.

في الوقت نفسه عمد الشركاء اليمنيون إلى تهميش دور المجلس الانتقالي في كثير من المؤسسات والهيئات الحكومية وتأخر تشكيل اللجان المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، مما عطل تحقيقه كما استخدمت الأطراف اليمنية الشراكة كغطاء لتعزيز نفوذها في المناطق الجنوبية، من خلال تعيين شخصيات تابعة لها في مناصب حساسة مستغلة الشراكة لإبقاء الجنوب في حالة عدم استقرار وترهل سياسي ساهم في تفاقم المعاناة الإنسانية للمواطنين وعرقل جهود المجلس في تطبيع الأوضاع في الجنوب وتفعيل مؤسسات الدولة.

فيما يتعلق بتوجيه الجهود لمواجهة الحوثيين تجاهلت الأطراف اليمنية الالتزام بمواجهة ميليشيا الحوثي، مما أدى إلى إضعاف الجبهة المشتركة ضد هذه الجماعة الانقلابية.
وبدلاً عن التركيز على المعركة الحقيقية مع الحوثيين ركزت الأطراف اليمنية جهودها في الحرب على الجنوب وتعطيل الشراكة مع المجلس الانتقالي
وتخلت عن واجبها الأساسي في تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مسخرة جهودها وإمكانياتها في سبيل زعزعة أمن واستقرار الجنوب ومفاقمة الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطنين.

أمام العراقيل التي وضعتها الأطراف اليمنية في وجهه وتعمدها التهرب من تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق دعا المجلس الانتقالي الجنوبي مرارًا إلى مراجعة الشراكة وتصحيح مسارها، لضمان تحقيق الأهداف المشتركة وتجنب الانهيار الكامل للاتفاق وشدد المجلس على أن تصحيح الشراكة يتطلب تنفيذ اتفاق الرياض بشكل كامل، وخاصة في الشق العسكري والأمني والجانب الاقتصادي الذي يمس حياة المواطنين.

قابلت الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي دعوات المجلس الانتقالي الجنوبي بتجاهل تام الأمر الذي دفع الرئيس عيدروس الزُبيدي للإنسحاب من بعض اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي، احتجاجاً على عدم التزام الشركاء بتنفيذ بنود الاتفاق، وغياب الجدية في مواجهة التحديات الحوثيين وتحسين الظروف المعيشية للشعب.

نتيجة لتعثر تنفيذ اتفاق الرياض تعطلت الجهود الرامية لتأمين المناطق الجنوبية نتيجة لعدم تنفيذ الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض وفشلت الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الجنوبيين نتيجة للفساد الإداري والمالي الذي تسببت به بعض الأطراف اليمنية الشريكة في الحكومة كما تسبب ضعف التنسيق العسكري المشترك بين الأطراف، في إفساح المجال لميليشيا الحوثي لتعزيز وجودها وتهديد الجنوب والمناطق المحررة.

رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس الانتقالي الجنوبي لإنجاح الشراكة مع الأطراف اليمنية، فإن تعنت الشركاء وتجاهلهم لتنفيذ اتفاق الرياض حال دون تحقيق الأهداف المرجوة.
لذلك يرى المجلس أن تصحيح هذه الشراكة أصبح ضرورة ملحة لضمان استقرار المناطق المحررة، وتوجيه الجهود المشتركة نحو مواجهة التحديات الرئيسية.

رؤية المجلس الانتقالي لتصحيح الشراكة

يطالب المجلس الانتقالي بتمكينه من ممارسة دوره كشريك رئيسي في إدارة الجنوب والمناطق المحررة، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار، كما يرفض محاولات الأطراف اليمنية الالتفاف على اتفاق الرياض ومحاولة إقصاء المجلس الانتقالي الجنوبي من المشاركة كطرف ممثل للجنوب في مفاوضات الحل الأممي للأزمة اليمنية.

وفيما يخص أداء الحكومة يشدد المجلس على ضرورة تفعيل الأجهزة الرقابية وإصلاح مؤسسات الدولة كخطوة أساسية لتعزيز الثقة بين الأطراف وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
يرى المجلس الانتقالي أن تصحيح الشراكة سيضع أساسًا متينًا لتشكيل حكومة قادرة على تحمل مسؤولياتها، والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المحررة كما سيسهم الالتزام بتصحيح الشراكة في عودة مؤسسات الدولة للعمل بكامل طاقتها، مما سيعزز من استقرار الوضع الأمني والاقتصادي، ويدعم جهود التنمية في الجنوب.

في الجانب العسكري يعتبر المجلس أن إخراج ميليشيا المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت خطوة لا غنى عنها لضمان تنفيذ اتفاق الرياض، وتهيئة المناخ للعمل المشترك
تصحيح المسار سيتيح توحيد الجهود العسكرية والسياسية لمواجهة ميليشيا الحوثي، وتحقيق الأهداف المشتركة بين الأطراف اليمنية والتحالف العربي.

تعد مسألة تصحيح الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والأطراف اليمنية خطوة محورية لضمان نجاح أي ترتيبات حكومية مستقبلية أو عودة مؤسسات الدولة،ومن دون هذا التصحيح، سيبقى الوضع الراهن في حالة من الجمود والتأزم، ما يهدد استقرار الجنوب والمناطق المحررة، ويعيق تحقيق الأهداف المشتركة.

فيما يخص موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي من استمرار الشراكة يؤكد استعداده لمواصلة العمل من أجل استقرار الجنوب والمناطق المحررة شريطة التزام جميع الأطراف بتصحيح الشراكة، بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين ويحقق تطلعاتهما في الأمن والاستقرار والتنمية.

انسحاب الزبيدي من اجتماع مجلس القيادة: رسالة واضحة لتصحيح المسار

جاء انسحاب الرئيس عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي ليعكس موقفًا حازمًا تجاه تردي الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية،وعدم التزام الشركاء اليمنيين بمسؤولياتهم في مواجهة ميليشيا الحوثي، وضمان استقرار المناطق المحررة، خصوصًا في الجنوب.
يتمسك الرئيس الزبيدي باتفاق الرياض مطالباً بتنفيذه وتصحيح الشراكة ومكافحة الفساد الذي يعيق تحقيق الأهداف المشتركة.

أظهر الشركاء في مجلس القيادة الرئاسي تقاعسًا في تحمل مسؤولياتهم الوطنية تجاه مواجهة ميليشيا الحوثي، التي تمثل التهديد الأكبر لأمن واستقرار البلاد وبدلاً من توجيه الجهود لتحرير المناطق التي تحتلها الميليشيا، ركزت بعض الأطراف على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ضيقة.

تتجاهل هذه الأطراف المطالب الأساسية للشعب الجنوبي، وعلى رأسها تنفيذ اتفاق الرياض الذي ينص على إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في الجنوب ولم تتخذ هذه الأطراف أي خطوات جادة لمعالجة حالة الانفلات الأمني أو تحسين الخدمات الأساسية في المناطق المحررة.
نتيجة لتهرب الأطراف اليمنية من تنفيذ التزاماتها تعطلت البنود الرئيسية لاتفاق الرياض، بما في ذلك نقل القوات العسكرية التابعة للطرف الآخر إلى جبهات القتال ضد الحوثيين ولم يتم تنفيذ الشق الاقتصادي من الاتفاق، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المعيشية في الجنوب
كما أدى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة إلى تعطل عملها، وحال دون تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

أكد الزبيدي أن استمرار المجلس الانتقالي في الشراكة مرهون بتصحيحها، لضمان تحقيق التوازن والعدالة في اتخاذ القرارات مشدداً على أن الشراكة يجب أن تكون مبنية على الالتزام الكامل ببنود اتفاق الرياض بما يشمل إعادة تموضع القوات العسكرية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لتحقيق التوازن بين الشمال والجنوب.

انعكاسات الانسحاب على المشهد السياسي

يمثل انسحاب الزبيدي خطوة سياسية للضغط على الشركاء في مجلس القيادة الرئاسي لإعادة تقييم سياساتهم تجاه الجنوب، ومواجهة الحوثي بجدية أكبر.
يوضح الانسحاب أن المجلس الانتقالي الجنوبي وصل لقناعة بفشل استمرار الشراكة والانسحاب منها إذا لم تتحقق الأهداف المشتركة، وفي مقدمتها احترام حقوق شعب الجنوب وفي مقدمتها الاعتراف بحقه في تقرير مصيره واستعادة دولته وهي أهداف غير قابلة للتفاوض والتأكيد أيضاً على ضرورة وقف محاولات الالتفاف على قضية الجنوب أو تهميشها في المشهد السياسي.

يمكن قراءة قرار انسحاب الرئيس عيدروس الزبيدي من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي كخطوة تصحيحية تهدف إلى إعادة المسار نحو تحقيق الأهداف المشتركة التي أُبرمت من أجلها الشراكة وأن الاستمرار فيها مرهون بتنفيذ اتفاق الرياض، وتحقيق التوازن، ومكافحة الفساد، وضمان حقوق شعب الجنوب في الحرية والاستقلال.
رغم انسحاب الرئيس الزبيدي من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي إلا أن المجلس الانتقالي يظل ملتزمًا بتحقيق تطلعات شعب الجنوب، مع الحفاظ على علاقته مع التحالف العربي، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المناطق المحررة.

الرئيس الزبيدي:دفاع شرس عن حقوق الشعب الجنوبي

رغم الأوضاع السياسية المعقدة التي يشهدها اليمن، ومحاولات الالتفاف على القضية الجنوبية بقي الرئيس عيدروس الزُبيدي على موقفه الثابت كرمز وطني يدافع عن حقوق شعب الجنوب، ملتزماً بتحقيق تطلعاتهم في الحرية واستعادة دولتهم المستقلة.
منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي وتوليه قيادته أثبت الزُبيدي قدرته على مواجهة التحديات الكبيرة، وتحقيق إنجازات ملموسة على الصعيدين السياسي والعسكري الأمر الذي جعل منه أبرز قائد سياسي وعسكري في اليمن ومنحه القدرة على فرض القضية الجنوبية والوقوف بقوة أمام محاولات الالتفاف عليها.

أكد الرئيس عيدروس الزُبيدي في جميع المحافل الإقليمية والدولية على أن قضية شعب الجنوب ليست مجرد قضية سياسية عابرة، بل هي قضية هوية وكرامة، ترتكز على تطلعات الشعب في استعادة دولتهم التي فقدوها في عام 1990م ووقف بحزم ضد أي محاولات لإضعاف الجنوب أو تهميش قضيته، مؤكداً أن الجنوب لن يكون طرفاً تابعاً لأحد ولن يقبل بأي تسوية سياسية لا تضمن حقوقه المشروعة.

عمل الرئيس الزُبيدي على تعزيز الولاء الوطني بين أبناء الجنوب، مشددًا على أهمية توحيد الصفوف لمواجهة التحديات المشتركة، والتصدي لمحاولات تفتيت الجبهة الجنوبية كما سعى الزُبيدي إلى توحيد مكونات الحراك الجنوبي تحت مظلة المجلس الانتقالي، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا وشاملًا لكافة أطياف الجنوب.

في وجه الضغوطات تمسك الرئيس عيدروس الزُبيدي بالهدف الأسمى للمجلس الانتقالي الجنوبي وهو استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة، على حدود ما قبل عام 1990م مشددًا على أن هذا الحق غير قابل للتفاوض كما دعا الزُبيدي المجتمع الدولي إلى احترام تطلعات شعب الجنوب، والإقرار بحقه في تقرير مصيره، استنادًا إلى القوانين الدولية ومبادئ الأمم المتحدة.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى