حضرموت : تطورات متسارعة .. وصراعات متعددة الأبعاد
حضرموت : تطورات متسارعة .. وصراعات متعددة الأبعاد
صوت الضالع / حضرموت/ أمجد يسلم صبيح
حضرموت، قلب الجنوب النابض ومفتاح استقراره، تشهد تطورات سياسية وعسكرية متسارعة تعكس صراعاً متعدد الأبعاد بين إرادة أبنائها من جهة وأجندات داخلية وخارجية تسعى للهيمنة على مواردها وموقعها الاستراتيجي من جهة أخرى. منذ سنوات، يطالب أبناء حضرموت بحقوقهم المشروعة في إدارة شؤونهم وتحرير مديريات الوادي والصحراء من الهيمنة العسكرية، إلا أن الاستجابة لهذه المطالب ظلت محدودة ومتحفظة، ما أدى إلى تصاعد حالة الاحتقان.
في هذا السياق، تتقاطع قرارات المجلس الرئاسي والتحركات الإقليمية مع جهود المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يضع حضرموت في صلب مشروعه لاستعادة دولة الجنوب، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبل هذه المحافظة الحيوية في ظل تضارب المصالح والأجندات. من خلال استعراض محاور التغيير في القيادة العسكرية، التحديات الإدارية، التدخلات الإقليمية، ودور المجلس الانتقالي، تتضح الصورة المعقدة لمشهد حضرموت الراهن.
هذه التطورات تحمل في طياتها فرصة تاريخية لأبناء حضرموت لتوحيد صفوفهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة في إدارة شؤون محافظتهم، بعيداً عن الوصاية والتجاذبات السياسية التي تهدد استقرارهم.
1 – تغييرات وقرارات
تغيير القيادات العسكرية في المنطقة العسكرية الأولى واللواء 135 جاء نتيجة لضغوط كبيرة مارستها القوى السياسية والاجتماعية في حضرموت، مطالب أبناء حضرموت بإصلاحات جذرية في المؤسسات العسكرية والأمنية لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة سنوات من الشعور بالتهميش والهيمنة من قوى تعتبرها حضرموت غريبة عن تطلعاتها.
القرارات التي صدرت بتعيين قيادات جديدة أثارت جدلاً واسعاً، خاصة أنها جاءت بعد حادثة استهداف أفراد وضباط سعوديين في المنطقة، وهو ما يعكس البعد الإقليمي للأزمة.
رغم الترحيب بهذه الخطوة من بعض الأطراف، إلا أن تعيين قيادات من خارج حضرموت أدى إلى انتقادات واسعة، حيث رآها كثيرون محاولة لإعادة إنتاج نفس المنظومة التي أدت إلى تفاقم الأزمات، مما يزيد من عمق الهوة بين أبناء حضرموت وصناع القرار في المجلس الرئاسي.
الأهم من ذلك، أن هذه التغييرات جاءت في ظل تزايد الدعوات لتحرير وادي وصحراء حضرموت و المستمرة منذ أكثر من ٩ سنوات من الهيمنة العسكرية، مما يعكس تناقضاً في التوجهات بين تطلعات أبناء المحافظة وسياسات السلطات العليا.
2- ضرورة توافق تعيين المحافظ مع إرادة أبناء حضرموت
لطالما كان منصب محافظ حضرموت محط جدل كبير بين القوى السياسية، ليس فقط لكونه منصباً إدارياً، بل لأنه يعكس التوازنات السياسية في المحافظة. تصريحات العميد سعيد أحمد المحمدي رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت أكدت على نقطة محورية، وهي أن تجاهل إرادة أبناء حضرموت سيؤدي إلى تصعيد كبير يهدد الاستقرار.
المحمدي أشار إلى أن أي تعيين لا يحظى بإجماع شعبي قد يُعتبر محاولة لفرض إرادة خارجية، وهو ما ترفضه القوى المجتمعية والقبلية في حضرموت.
تجارب الماضي أثبتت أن فرض شخصيات لا تمتلك القبول الشعبي يؤدي إلى فشل في إدارة شؤون المحافظة وزيادة الاحتقان. لذلك، يُعتبر توافق التعيين مع الإرادة الشعبية أساساً لتحقيق الاستقرار والتنمية.
3ـ قوة حماية حضرموت وانقلابها على الإجماع الحضرمي
تشكيل قوة حماية حضرموت أثار جدلاً واسعاً داخل المحافظة، حيث رآها كثيرون محاولة لإضعاف النخبة الحضرمية وإجهاض مشروع تحرير وادي وصحراء حضرموت.
هذه القوة، التي يُروج لها بأنها لحماية حضرموت، تواجه اتهامات بأنها أداة لتعزيز الهيمنة وتقسيم أبناء المحافظة. القوى السياسية والاجتماعية في حضرموت ترى أن النخبة الحضرمية هي القوة الشرعية الوحيدة التي تمثل أبناء المحافظة، ولها تاريخ طويل في تحقيق الأمن والاستقرار.
دعم تشكيل قوة حماية حضرموت يأتي ضمن سياق إقليمي أوسع، حيث تسعى بعض الأطراف إلى خلق قوى موالية لها داخل المحافظة، مما يعقد المشهد السياسي ويعرقل جهود التوافق الوطني.
الإجماع الحضرمي الرافض لهذه القوة يعكس وحدة أبناء المحافظة وإصرارهم على حماية مكتسباتهم وعدم السماح بأي محاولات لإضعاف مشروعهم الوطني.
4- تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي
المجلس الانتقالي الجنوبي يضع حضرموت في قلب مشروع استعادة دولة الجنوب، ويدرك أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية.
تحركات المجلس الأخيرة تؤكد استراتيجيته لتعزيز وجوده في المحافظة عبر عدة محاور:
– **تمكين النخبة الحضرمية:** إعادة بناء وتدريب النخبة الحضرمية يعكس رؤية المجلس لتكون هذه القوة ركيزة أساسية في تحقيق الأمن والاستقرار.
– **تعزيز التواصل مع القبائل والقوى المجتمعية:** المجلس يعمل على توحيد الصفوف وتعزيز الروابط الاجتماعية لضمان دعم شعبي واسع لمشروعه السياسي.
– **ترسيخ الهوية الجنوبية:** أبناء حضرموت أظهروا مراراً في فعالياتهم الشعبية تمسكهم بهويتهم الجنوبية، وهو ما يعكس توافقاً كبيراً مع توجهات المجلس.
الدور الذي يلعبه المجلس في حضرموت لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يشمل أيضاً تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مما يجعله قوة محورية في مستقبل المحافظة.
5. الدور الإقليمي
التدخلات الإقليمية في حضرموت ليست جديدة، بل هي جزء من صراع أوسع على النفوذ في اليمن.
بعض الدول تسعى لتعزيز وجودها في المحافظة من خلال دعم قوى محلية موالية لها، وهو ما يثير حفيظة القوى الوطنية التي ترى في هذه التدخلات تهديداً للسيادة.
في المقابل، السعودية والإمارات تلعبان دوراً مهماً في دعم المجلس الانتقالي الجنوبي لتحقيق التوازن الإقليمي.
هذا الدعم يأتي ضمن رؤية أوسع لضمان استقرار المنطقة ومنع تحولها إلى بؤرة صراع جديد.
التنسيق بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحلفائه الإقليميين يعكس التزاماً مشتركاً بالحفاظ على استقرار حضرموت وضمان أن تكون جزءاً من مشروع الجنوب العربي.
الخلاصة
حضرموت تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي. القرارات الأخيرة تعكس صراعاً بين إرادة أبناء المحافظة وسياسات المجلس الرئاسي، مما يعزز الحاجة إلى تمكين النخبة الحضرمية كقوة أمنية شرعية موحدة.
المجلس الانتقالي الجنوبي يثبت أنه القوة الأكثر التزاماً بتحقيق تطلعات أبناء حضرموت، والعمل على استقرارها وضمان إدارتها لشؤونها بعيداً عن أي وصاية أو انقسامات.
المرحلة المقبلة تتطلب توحيد الجهود الجنوبية لتحقيق إرادة الشعب في استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.