تقرير / محمد الزبيري
يمثل يوم الـ13 من يناير 2006م، لحظة فارقة في تاريخ الجنوب الحديث،وذكرى تاريخية طوت صفحات مأساوية في التاريخ الجنوبي حين اجتمع أبناء الجنوب في العاصمة عدن، في لقاء تاريخي احتضنته جمعية أبناء ردفان وضم شخصيات اجتماعية وثورية من مختلف محافظات الجنوب بهدف تجاوز خلافات الماضي وإعلان مبدأ المصالحة والتسامح الوطني الجنوبي.
كان ذلك اللقاء بمثابة إعلان صريح لإنهاء صفحات الماضي الأليمة، وتأسيس عهد جديد قائم على التصالح والتسامح ودفن خلافات الماضي وجراح أحداث يناير المؤلمة،والاستعداد صفاً واحداً لمواجهة عدو الجنوب الحقيقي المتمثل بالاحتلال اليمني.
لم يكن يوم التصالح والتسامح الجنوبي مجرد ذكرى عابرة، بل تحوّل إلى محطة تاريخية راسخة تشكل الأساس الذي يستمد منه شعب الجنوب قوته وتماسكه، فمن خلال هذا النهج السامي، استطاع الجنوبيون تجاوز الانقسامات وتعزيز وحدتهم الشعبية، منطلقين بثبات نحو استعادة دولتهم وهويتهم.
*13 يناير 2006: ذكرى استثنائية في مسيرة الجنوب*
في هذا اليوم التاريخي، وضع شعب الجنوب اللبنات الأولى لمسيرة التصالح والتسامح، محولًا ذكرى أليمة إلى مناسبة لتجديد العهد بالوحدة الوطنية والعمل المشترك.
منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم رمزًا للتقارب والتلاحم، ورهانًا كسرته الإرادة الجنوبية الموحدة أمام محاولات الأعداء لتفتيت النسيج الاجتماعي الجنوبي.
ظل الاحتلال اليمني يراهن بقوة على الخلافات الجنوبية والصراعات الدامية التي حدثت في الجنوب وكان للنظام اليمني وبعض الشخصيات اليمنية التي استوطنت الجنوب ووصلت لأعلى مفاصل السلطة الدور الأكبر في اشعال الصراعات والفتن بين القادة الجنوبيون.
جن جنون الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح عند سماعه أخبار لقاء التصالح والتسامح الجنوبي الذي احتضنته جمعية ابناء ردفان فخرج في خطاب هيستيري محاولاً نبش جراحات الماضي الجنوبي وتذكير الجنوبيين بأحداث يناير بهدف إفشال أي تقارب بين الجنوبيين.
أدرك صالح أن تصالح الجنوبيين يعني توحدهم صفاً واحداً وخطورة هذه الوحدة على بقاء الاحتلال الذي سهل الانقسام الجنوبي في 94 احتلاله للجنوب.
كان يدرك أن التصالح والتسامح الجنوبي يعني مواجهة الاحتلال والمطالبة باستعادة استقلال الجنوب لذلك كان رده عندما سأل عن انزعاجه من تصالح الجنوبيين بالقول:”يتصالحون ويتسامحون ضد من؟”
*التصالح والتسامح: الأساس الصلب لبناء المستقبل*
يُعد التصالح والتسامح الجنوبي أعظم محطة في تاريخ الجنوب، حيث جمع أبناءه بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم على هدف واحد، وهو تحقيق الحرية واستعادة الدولة.
هذا اليوم التاريخي أكد للجميع أن شعب الجنوب قادر على تجاوز أي منعرجات أو تحديات تعترض طريقه، مستفيدًا من دروس الماضي ليخطو نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
وجهت أحداث 13 يناير 1986م ضربة قاصمة لمشروع الدولة الجنوبية وهدمت كل الانجازات التي تحققت منذ الاستقلال وخسر الجنوبيون عشرات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمشردين وكانت هذه الأحداث المأساوية هي القشة التي قصمت ظهر الجنوب .
خسر الجنوب قسماً كبيراً من قواته المسلحة وأسلحته الضاربة ودمرت أغلب مؤسسات الدولة وقتل العديد من الكوادر المؤهلة،كما خلفت الأحداث جراحاً غائرة،ومآسي مروعة كانت في المجمل السبب الأول في دخول الجنوب المتهور وغير المدروس في ورطة ما سميت بالوحدة اليمنية.
وعى الجنوبيون الدرس بعد أن وقع سيف الوحدة في رأس الجنوب وأدرك الطرفين أن الاحتلال اليمني أو نظام العربية اليمنية قبل الوحدة وأعوانه في الجنوب وراء هذه الأحداث المأساوية بعد أن عجزوا عن مواجهة الجيش الجنوبي في الجبهات وبالذات خلال حربي 72 و79 بين البلدين
جاء التصالح والتسامح كترجمة واقعية للوعي الجنوبي ليبلسم جراح الماضي ويمحو أثر المأساة وينطلق بشعب الجنوب إلى آفاق الحرية والكرامة والاستقلال.
في كل مناسبة يحرص الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على التأكيد أن التصالح والتسامح الجنوبي ليس مجرد مناسبة، بل هو نهج حياة يُعزز الوحدة الوطنية ويُرسخ قيم التعايش والمحبة.
في تصريحات سابقة قال الزبيدي: “إننا، ومن خلال هذا النهج، نسير على خطى الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل استعادة هوية ودولة الجنوب”.
*التصالح والتسامح: حكاية جنوبية من الألم والأمل*
لطالما راهن أعداء الجنوب على تفتيت التماسك الجنوبي وبث روح الفرقة وزرع الصراعات المناطقية، إلا أن شعب الجنوب أثبت أن وحدته أقوى من كل المخططات.
في كل بيت جنوبي، نجد قصة تسامح عظيمة جسدت هذا النهج الأصيل، وساهمت في تعزيز الروابط الاجتماعية بين القبائل والمجتمعات الجنوبية،وأثبتت أن شعب الجنوب بثقافته الراقية يعلي قيم التصالح والتسامح والتعايش وقبول الآخر.
أكد القادة الجنوبيون في مناسبات عدة أن التصالح والتسامح هو السبيل الوحيد لضمان استعادة الدولة، ففي تصريح سابق، قال اللواء أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، إن “التصالح والتسامح هو الضمانة الحقيقية لاستعادة دولة الجنوب وبنائها على أسس قوية ومتينة”.
*ثمار التصالح والتسامح: وحدة الصف الوطني*
أثمر التصالح والتسامح عن نتائج إيجابية عززت من قدرة شعب الجنوب على تحقيق أهدافه، وعلى رأسها تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي. فمنذ تأسيسه، لعب المجلس دورًا محوريًا في توحيد الصفوف، وتعزيز الهوية الجنوبية، وتوجيه الجهود نحو استعادة الدولة.
ولعل من أبرز ثمار التصالح والتسامح ما شهده الجنوب من استقرار سياسي واجتماعي، وتحقيق انتصارات عسكرية وسياسية غير مسبوقة. فقد أصبحت القوات المسلحة الجنوبية نموذجًا يحتذى به في التضحية والبسالة، مسنودة بدعم شعبي واسع يعكس التلاحم الكبير بين القيادة والشعب.
جاءت مليونية تفويض الرئيس الزبيدي من قبل الشعب الجنوبي لإنشاء كيان سياسي يمثلهم كنموذج لثمار التصالح والتسامح واستفتاء جنوبي أثبت بشكل قاطع أن شعب الجنوب تعالى على جراحه ودفن ماضيه بعد أن استخلص منه الدروس والعبر.
زحف الملايين من ابناء الجنوب إلى العاصمة عدن ومدن المحافظات الجنوبية معلنين تفويض الرئيس الزبيدي لإنشاء كيان سياسي يمثلهم وهو التفويض الذي تمخض عنه إعلان إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي كمظلة جامعة لكل القوى والأحزاب والتنظيمات الجنوبية ليكون الممثل الشرعي للجنوب.
*التلاحم الشعبي: قوة الجنوب في مواجهة التحديات*
حرب صيف 2015م، التي شنتها ميليشيا الحوثي الإرهابية وجماعات الهالك علي عبدالله صالح ضد الجنوب، مثلت اختبارًا صعبًا لوحدة الصف الجنوبي. إلا أن أبناء الجنوب لبّوا نداء الدفاع عن الأرض والشرف، وأثبتوا أن تلاحمهم هو السلاح الأقوى لتحقيق النصر.
هذا التلاحم لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل أصبح نهجًا دائمًا يعكس مدى وعي شعب الجنوب بأهمية وحدته الوطنية.
وقد تمثل ذلك في الاستجابة الشعبية الواسعة للدفاع عن الجنوب ومواجهة قوات الاحتلال رغم اختلال موازين القوى وافتقاد الجنوبيون لأبسط التجهيزات العسكرية والأسلحة اللازمة لمواجهة العدوان الهمجي على الجنوب.
بفضل التلاحم الجنوبي والاصطفاف الوطني حققت المقاومة الجنوبية انتصارات تاريخية وملاحم اسطورية انتهت بتحرير الجنوب وخروج الاحتلال بعد عقود من الظلم والإرهاب الذي مارسه الاحتلال بحق شعب الجنوب مستغلاً تفرق ابناء الجنوب وخلافاتهم العميقة.
*تعزيز الهوية الجنوبية: مسؤولية وطنية مشتركة*
إحياء ذكرى التصالح والتسامح الجنوبي لا يقتصر على الاحتفاء بالماضي، بل هو فرصة لتعزيز الهوية الجنوبية والموروث الثقافي والتاريخي.
الهوية الجنوبية هي الركيزة التي تنطلق منها الجهود الوطنية لبناء دولة الجنوب المستقلة، وهي مسؤولية تقع على عاتق كل جنوبي.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي لطفي شطارة: “إن تعزيز الهوية الجنوبية يتطلب منا العمل بجدية على نشر ثقافة التسامح والتعايش، وتحصين مجتمعنا ضد أي محاولات لزرع الفتن والانقسامات”.
إن التصالح والتسامح الجنوبي ليس مجرد ذكرى، بل هو مشروع وطني يُعزز مناعة الجنوب ضد التحديات فهو الجسر الذي يعبر عليه أبناء الجنوب نحو تحقيق أهدافهم الوطنية المشتركة، وعلى رأسها استعادة الدولة بحدودها المعترف بها دوليًا ما قبل 21 مايو 1990م.
مع اقتراب الذكرى الـ19 للتصالح والتسامح الجنوبي، يجدد شعب الجنوب التزامه بهذه القيم النبيلة التي شكلت الأساس لنهضته الوطنية.
إن وحدة الصف الجنوبي هي السلاح الأقوى لمواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف المشتركة في الجنوب، كما يؤكد الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، بقوله أن “الوطن يتسع للجميع، ونهج التصالح والتسامح هو الطريق الذي سيقودنا إلى الدولة المستقلة التي نحلم بها”
زر الذهاب إلى الأعلى