كتب : فضل صالح
في تاريخ الشعوب، ثمة محطات مفصلية تترك بصماتها في ذاكرة الأجيال، وتشكل منعطفات حادة في مساراتها الوطنية والسياسية.
ويعد يوم السابع والعشرين من أبريل 1994م واحدًا من أكثر الأيام مأساوية في تاريخ جنوب اليمن، إذ شهد بداية ما وصفه كثيرون بـ”الغزو العسكري الغادر” من قبل قوات الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) ضد دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب).
*خلفية تاريخية*
لقد تم إعلان الوحدة اليمنية رسميًا في 22 مايو 1990م، بين شمال اليمن وجنوبه، بعد سنوات من المحادثات والمبادرات.
غير أن السنوات الأربع التالية للوحدة كشفت عن هشاشة الاتفاق، نتيجة اختلاف الأنظمة السياسية، وتباين التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التزام الشمال بالاتفاقات السياسية التي نصت عليها وثيقة الوحدة، وفي مقدمتها تقاسم السلطة والثروة.
*تفاقم الخلافات، وتصاعدت حدة التوترات*
بلغ الأمر ذروته عندما أقدم الشمال، بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح، على استخدام القوة العسكرية لحسم الخلاف لصالحه، بدلاً من اللجوء للحوار السياسي.
*بداية الغزو*
في صباح 27 أبريل 1994م، شنت القوات الشمالية هجومًا عسكريًا واسع النطاق على الجنوب، معلنة عمليًا نهاية الشراكة السياسية، وتحول الوحدة إلى احتلال بالقوة.
وقد جاء هذا الغزو عقب فشل كل المساعي الدبلوماسية والمبادرات المحلية والإقليمية لحل الأزمة سلمياً، من بينها وثيقة العهد والاتفاق التي وُقعت في الأردن في فبراير 1994م، لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
*مواقف محلية ودولية*
داخليًا، أثار الغزو موجة من السخط العارم في الجنوب، حيث اعتبر الجنوبيون أن ما حدث كان انقلابًا صريحًا على اتفاق الوحدة، وتحولت المواجهة إلى حرب شاملة عُرفت لاحقًا بـ”حرب صيف 1994م”.
أما دوليًا، فقد أبدت بعض القوى الإقليمية والدولية قلقها من تطور الأوضاع في اليمن إلى نزاع مسلح شامل، لكنها لم تتدخل بشكل فاعل لمنع الحرب، وهو ما فسره كثيرون بتواطؤ ضمني أو تقاعس عن حماية الوحدة السلمية.
*نتائج الغزو*
سقطت عدن في يد القوات الشمالية في 7 يوليو 1994م بعد قتال عنيف.
فرّ قادة الجنوب إلى المنفى، وتم إعلان “انتصار الوحدة بالقوة”، وهو ما ترك جراحًا عميقة في الوجدان الجنوبي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
بدأت مرحلة طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجنوبيين، وهو ما فجّر لاحقًا الحراك الجنوبي السلمي في 2007م، مطالبًا باستعادة دولة الجنوب.
*التوصيف القانوني والسياسي للغزو*
بحسب العديد من الباحثين والسياسيين، فإن استخدام القوة العسكرية لحسم الخلافات السياسية بين شريكين في وحدة دولة جديدة يُعد خرقًا واضحًا للمبادئ الدولية، وخاصة مبدأ حق تقرير المصير، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
وقد وصف الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض ما حدث بأنه “احتلال عسكري للجنوب”، مطالبًا مرارًا منذ ذلك الحين بإعادة النظر في الوضع السياسي على أسس جديدة تحفظ للشعب الجنوبي حقوقه المشروعة.
تظل ذكرى 27 أبريل 1994م محفورة في ذاكرة الجنوبيين، لا بوصفها نهاية مرحلة سياسية فحسب، بل بداية معاناة طويلة مع الإقصاء والتهميش.
وإذا كان التاريخ لا يرحم، فإن دروسه تفرض على كل من يسعى إلى بناء مستقبل مستقر أن يعترف بالحقيقة، ويتعامل مع آثار الماضي بروح الإنصاف والعدل، بما يحقق سلامًا دائمًا يحترم تطلعات الشعوب وحقوقها.
زر الذهاب إلى الأعلى