تقـــارير

7 يوليو ذكرى سوداء ونضال لا ينكسر

7 يوليو ذكرى سوداء ونضال لا ينكسر

صوت الضالع / تقرير / عين الجنوب 

في سردية الشعوب، هناك أيام لا تُنسى، لا لأنها مرت بل لأنها ما زالت تعيش في الوعي والوجدان، واليوم السابع من يوليو هو أحد تلك الأيام التي لا تمرّ دون أن يترك أثره في كل جنوبي. ففي هذا اليوم من عام 1994، اجتاحت قوات الاحتلال اليمني أرض دولة الجنوب في غزو عسكري صريح، استهدف تفكيك الدولة الجنوبية، ونهب مقدّراتها، وتدمير مؤسساتها، وطمس هويتها.

ومع أن هذا الفعل كان فجاً وواضحاً في جوهره الاحتلالي، إلا أن الموقف الدولي آنذاك تباين بين الحذر، والمراعاة السياسية، وأحياناً الصمت. لم يُقدّم غزو 1994 إلى العالم باعتباره عدواناً، بل أُلبس عباءة “الوحدة”، رغم أن واقع الميدان، وتقرير السلوك السياسي لما بعد الحرب، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما جرى كان فرض وحدة بالقوة العسكرية. ورغم ذلك، كانت بعض العواصم في الخليج والعالم العربي تدرك في أعماقها حجم المأساة، وصرحت بموقف رافض للغزو اليمني للجنوب.

لقد مضت سنوات طويلة من المعاناة، لكن شعب الجنوب لم يصمت. فبينما كانت مؤسساته تُنهب، وموارد أبنائه تُحرم، وقياداته تُقصى، وحضارته تُشوّه، وهويته تطمس كانت روحه تستعد للعودة. تلك العودة تحولت إلى كفاح مسلح ثم حراك شعبي، ثم نضال سياسي، ثم صمود مسلح في وجه محاولة جديدة لإعادة الاحتلال، حين اجتاحت مليشيات الحوثي الجنوب في 2015.

فحين وقف شعب الجنوب، أعزل إلا من إرادته، أمام جحافل الحوثيين المدججين، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول من لبّى النداء، ووقفت مع الجنوب ليس بالشعارات، بل بالفعل والدعم والتضحية. في إطار التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، أدركت الإمارات أن بقاء الجنوب تحت ميليشيات حوثية يعني استمرار الفوضى والفساد والطائفية، وأن استقرار الجنوب، بأرضه وهوويته، هو ركيزة لاستقرار الإقليم.

لم تكتف الإمارات بإرسال السلاح أو العتاد، بل أسست مع أبناء الجنوب شراكة فريدة، عنوانها بناء المؤسسات وتحرير الأرض. دعمت تشكيل قوات الحزام الأمني، والنخب الجنوبية، وقدمت برامج تدريب وتأهيل، وشاركت في معارك التحرير جنباً إلى جنب مع المقاتلين الجنوبيين. كل هذا كان موقفاً واضحاً تجاه غزو ميليشيات الحوثيين وتعبيراً عن دعم قضية لطالما تم تجاهل عدالتها.

وبينما كانت عواصم أخرى تراقب المشهد، أو تبقي على علاقات براغماتية مع صنعاء، كانت الإمارات تقرأ ما وراء الحرب وابعادها على الامن العربي: واستناداً الى المظلومية التاريخية لشعب الجنوب، وتفهم أن الوحدة المفروضة قسراً لا تُنتج إلا صراعاً. لقد فهمت أن دعم الجنوب يعني تأمين المحيط العربي وتصحيح مسار دولة اختُطفت، جراء جريمة اُرتكبت في 1994 باسم “الوحدة”.

ومع تحرير الجنوب، لم تنتهِ المهمة، بل بدأت المرحلة الأهم: بناء المؤسسات. بدعم إماراتي مباشر، أُعيدت هيكلة الأجهزة الأمنية، وأُسّست نواة جيش جنوبي محترف، وبدأت عمليات مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات بتنسيق فاعل، جعل الجنوب نموذجاً فريداً في محيط يموج بالتحديات.

تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي عام 2017 جاء كتتويج لتلك المرحلة، حيث استطاع أن يوحّد الصوت الجنوبي، ويقدم نفسه كممثل شرعي لشعب الجنوب، ويمضي بمشروع الدولة بخطى ثابتة، بدعم شعبي جنوبي مثله اعلان عدن التاريخي، ومساندة إقليمية خصوصاً من دولة الإمارات العربية المتحدة.

اليوم، في الذكرى الواحد والثلاثين لغزو 1994، لم يعد الجنوب ذلك الكيان المنهك الذي يطارد حقه في الظلال، بل هو واقع على الأرض. لديه مؤسسات، وجيش، وشعب موحّد، ومشروع واضح، وشركاء إقليميون باتوا أكثر تفهماً وعدلاً في تقييم الموقف. لم يعد الحديث عن “الجنوب” هامشياً، بل أصبح جزءاً من أي نقاش حول مستقبل المنطقة واستقرار الإقليم.

إن السابع من يوليو لم يعد ذكرى للبكاء على الأطلال، بل أصبح رمزاً للمقاومة والتحول والارادة الشعبية الجنوبية، يوماً يستعيد فيه الجنوبيون وعيهم، ويؤكدون أن ما بُني على الظلم والاحتلال والقهر لن يستمر، وأنه مهما طال التهميش، فإن صوت الحق سيعلو. والإمارات، باتت اليوم أحد أصدق الشركاء في صناعة مستقبل يليق بشعب الجنوب وتضحياته.

هذا الموقف الإماراتي، المتقدّم والمسؤول، يضع اليوم الأساس لتعاون أوسع مع العالم، الذي بدأ يُدرك أن الجنوب ليس طرفاً داخلياً، بل مشروع استقرار، وقضية عادلة، وشعب لم يُهزم رغم كل ما مرّ عليه. وعلى الإقليم والعالم أن يستمع الى صوت شعب الجنوب الذي لم يساوم، ولم يتنازل، ولم يطلب سوى استعادة ما هو حقه: وطن حر، كريم، مستقل.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى