تقـــارير

جنوب على طاولة واشنطن: شراكة أمنية تعيد رسم معادلات اليمن والإقليم

جنوب على طاولة واشنطن: شراكة أمنية تعيد رسم معادلات اليمن والإقليم

صوت الضالع / عين الجنوب

     

في خضم التحولات المتسارعة التي تعصف بالملف اليمني، يتقدم الجنوب من هامش الصراع إلى قلب الحسابات الإقليمية والدولية، بوصفه لاعبًا يمتلك مفاتيح الجغرافيا والأمن في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية. ومع تصاعد التهديدات العابرة للحدود، ولا سيما تلك المرتبطة بأمن الملاحة الدولية، برزت دعوات جنوبية صريحة لبناء شراكة استراتيجية أعمق مع الولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقًا من رؤية ترى في الجنوب شريكًا قادرًا على الفعل لا مجرد ساحة نزاع.

جنوبٌ يقدّم نفسه كشريك موثوق

يرتكز خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي على معطيات ميدانية وإدارية متنامية؛ إذ يؤكد بسط نفوذه الأمني والعسكري على المحافظات الجنوبية، وتقدّم قدرته على إدارة الملفات الخدمية والاقتصادية. هذه المعطيات – وفق رؤية المجلس – تؤهله للدخول في شراكات نوعية تشمل مكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة، والتصدي للتهديدات التي تطال البحرين العربي والأحمر.

وفي هذا السياق، شدد ممثل المجلس لدى واشنطن والأمم المتحدة أحمد عاطف على أن المرحلة الراهنة تتطلب مقاربة واقعية قائمة على المصالح المشتركة والاستقرار طويل الأمد، مرحّبًا بأشكال الدعم السياسي والأمني والاقتصادي، ومؤكدًا استعداد الجنوب للانخراط في تعاون مؤسسي ومنضبط.

صعود سياسي في فراغ الدولة

خلال السنوات الأخيرة، تحوّل المجلس الانتقالي إلى القوة الأبرز في جنوب اليمن، مستفيدًا من دعم إقليمي ومن تراجع مؤسسات الدولة المركزية. ويطرح المجلس مشروع استعادة دولة الجنوب السابقة لعام 1990 باعتباره مدخلًا لمعالجة جذور الأزمات البنيوية التي فجّرت الصراع، لا مجرد مطلب سياسي عابر. هذا الطرح، وإن ظل مثار جدل، إلا أنه بات عنصرًا حاضرًا في أي نقاش جاد حول مستقبل اليمن.

تباينات داخل المعسكر المناهض للحوثيين

لا يخلو المشهد من تعقيدات؛ إذ عبّر مجلس القيادة الرئاسي عن مخاوفه من تحركات ميدانية في الشرق، محذرًا من تأثيرها على المسار السياسي. غير أن المجلس الانتقالي يرفض هذه القراءة، مؤكدًا أن عملياته – خصوصًا في حضرموت – جاءت لتعزيز الأمن والاستقرار، ومواجهة قوى يتهمها بالعمل بتنسيق غير مباشر مع الحوثيين.

براغماتية واشنطن: بين الوحدة والتعاون

يرى محللون أن دعم واشنطن العلني لانفصال الجنوب قد يصطدم بسياساتها التقليدية المؤيدة لوحدة اليمن، إلا أن التعاون العملي مع المجلس الانتقالي في ملفات مكافحة الإرهاب ومواجهة الحوثيين لا يتناقض بالضرورة مع الإطار السياسي القائم، خاصة وأن المجلس جزء من منظومة الحكم الحالية. وتشير قراءات بحثية غربية إلى أن هذا النهج البراغماتي يفتح مساحة مشتركة توازن بين المبادئ والمصالح.

مشهد ميداني منقسم وتهديد متصاعد

على الأرض، لا يزال اليمن منقسمًا؛ إذ تسيطر جماعة الحوثي على صنعاء ومعظم الشمال والغرب بدعم مباشر من إيران، وبإسناد لوجستي وتدريبي من حزب الله. ويؤكد عاطف أن هذا الواقع يشكل تهديدًا إقليميًا ودوليًا، نظرًا لمخاطره على الملاحة في البحر الأحمر، وأمن جنوب اليمن ودول الجوار.

أفق الشراكة: اقتصاد وأمن وممرات استراتيجية

يختتم المشهد بسعي المجلس الانتقالي إلى تحويل الشراكة مع واشنطن من تعاون أمني إلى إطار استراتيجي شامل، عبر فتح قطاعات النفط والزراعة والثروة السمكية والسياحة أمام الشركات الأمريكية، ضمن رؤية لإقامة دولة جنوبية مستقلة قادرة على تأمين الممرات البحرية الحيوية، والحد من النفوذ الإيراني، وتعزيز الاستقرار في واحدة من أكثر بؤر العالم توترًا.

خلاصة القول: الجنوب لم يعد مجرد ملف مؤجل في الأجندة الدولية، بل بات رقمًا صعبًا في معادلة الأمن الإقليمي. ومع تقاطع المصالح، تبدو واشنطن أمام اختبار جديد: هل تكتفي بإدارة الأزمة، أم تنخرط في شراكة تعيد رسم توازنات اليمن والمنطقة؟

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى