تقرير / محمد الزبيري
في أجواء من الفخر والاعتزاز الوطني، يحتفل الشعب الجنوبي اليوم بالذكرى الثالثة لتحرير مديريات بيحان بمحافظة شبوة، التي مثّلت نقطة تحول محورية في مسيرة الجنوب نحو التحرر واستعادة دولته المستقلة.
يتزامن هذا اليوم مع ذكرى الانتصار العسكري العظيم الذي تحقق في 10 يناير 2022،بدحر المليشيات الحوثية وتحرير مديريات بيحان في ملحمة تعد أحد أبرز الملاحم العسكرية في تاريخ الجنوب الحديث.
سيطرة الحوثيين على بيحان
في أواخر 2021، تمكنت مليشيات الحوثي من فرض سيطرتها على مديريات بيحان بعد انسحاب القوات الموالية لحزب الإصلاح من المنطقة. شكّلت هذه السيطرة تهديدًا كبيرًا لمحافظة شبوة والجنوب بشكل عام، حيث باتت المليشيات تستخدم المنطقة كمنصة لشن هجمات على المناطق الجنوبية المجاورة، بالإضافة إلى استهدافها الممرات الحيوية وخطوط الإمداد.
كان سقوط مديريات بيحان في قبضة مليشيات الحوثي مفاجئاً ودون مقاومة تُذكر الأمر الذي سبب صدمة للجنوبيين، خاصةً مع تزايد الحديث عن تواطؤ مباشر من قبل قيادات عسكرية وسياسية تابعة لحزب الإصلاح، الذي كان يسيطر على محافظة شبوة آنذاك.
بعد سيطرة حزب الإصلاح على محافظة شبوة في 2019، إثر أحداث أغسطس ركز الحزب جهوده على تمكين نفوذه في المحافظة إلا أن سياسات الحزب اتسمت بالفساد وضعف الإدارة، ما انعكس سلبًا على الجاهزية العسكرية والأمنية.
في النصف الثاني من عام 2021، بدأت مليشيات الحوثي بالزحف من محافظتي البيضاء ومأرب نحو بيحان، مستغلة غياب أي تحركات دفاعية حقيقية من قبل القوات الموالية للإصلاح.
ورغم تحذيرات الأهالي والقوى الوطنية من خطر الحوثيين، إلا أن القوات العسكرية التابعة للإصلاح لم تتخذ أي إجراءات جدية للتصدي لهم.
وأمام الزحف الحوثي باتجاه مديريات بيحان في سبتمبر 2021 مانسحبت القوات التابعة لحزب الإصلاح من مواقعها في بيحان دون مقاومة، ما مكّن مليشيات الحوثي من دخول المديريات الثلاث بسهولة تامة.
وصف العديد من المراقبين هذا الانسحاب بأنه “تواطؤ واضح” وتسليمًا متعمدًا ومتفق عليه للحوثيين لتحقيق أهداف سياسية مشتركة بين الطرفين.
تقارير متعددة أشارت إلى وجود تنسيق غير مباشر بين حزب الإصلاح ومليشيات الحوثي في عدد من الجبهات، بما في ذلك بيحان كان الهدف من هذا التنسيق، وفقًا لمصادر محلية ودولية، هو إضعاف القوى الجنوبية ومنعها من تحقيق الاستقرار والسيطرة الكاملة على شبوة.
الخلفية التاريخية لتحرير بيحان
تتمثل أهمية مديريات بيحان الثلاث (عين، عسيلان، وبيحان) يتمثل في كون هذه المديريات تمثل موقعًا جغرافيًا بالغ الأهمية في محافظة شبوة، حيث تعدُّ الممر الحيوي الرابط بين الجنوب ومحافظتي مأرب والبيضاء، الخاضعتين لسيطرة المليشيات الحوثية آنذاك.
هذا الموقع، الذي يُعزز أهميته موارد المنطقة الطبيعية وخطوط الإمداد العسكرية، كان هدفًا رئيسيًا للمليشيات التي سعت للسيطرة عليه لإحكام قبضتها على الجنوب
استطاعت المليشيات الحوثية تخقيق هدفها بتواطؤ مليشيات حزب الإصلاح التي كانت تسيطر على بيحان وسلمتها للحوثيين في صفقة مشبوهة بدون أن تطلق رصاصة واحدة.
مثل سقوط مديريات بيحان خطراً كبيراً على الجنوب وشبوة على وجه الخصوص حيث فتح سقوطها الباب أمام مليشيات الحوثي لمعاودة تهديد الجنوب واجتياحه مجدداً،وأصبح تمركز المليشيات في مديريات بيحان بموقعها الاستراتيجي يهدد عدد من المحافظات الجنوبية ويسهل على المليشيات الحوثية الزحف نحو شبوة وأبين وحضرموت.
أمام هذا الواقع كان لابد من تحرك القوات الجنوبية لتحرير بيحان وقطع الطريق أمام المليشيات الحوثية التي تواصل هجماتها على الجنوب في مختلف الجبهات وتعد العدة للهجوم على الجنوب مجدداً وبالتالي اتخذ القادة الجنوبيون قراراً حاسماً بتحريك قوات العمالقة الجنوبية وتكليفها بتحرير مديريات بيحان.
عملية التحرير: ملحمة جنوبية
بدأت معركة تحرير بيحان في أوائل يناير 2022، عندما شنت القوات المسلحة الجنوبية، بقيادة ألوية العمالقة الجنوبية وقوات دفاع شبوة، هجومًا عسكريًا محكم التخطيط. استمرت المعركة لعدة أيام، لتكلل بالنجاح في 10 يناير، حيث تكبّدت المليشيات الحوثية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ما أدى إلى تحرير كامل المنطقة وتأمينها.
أثبتت معركة تحرير بيحان مدى قوة وشراسة القوات المسلحة الجنوبية ممثلة “بقوات العمالقة الجنوبية وقدرتها على التصدي لأي مخططات تستهدف الجنوب.
حسمت المعركة في فترة زمنية وجيزة بفضل التخطيط العسكري المحترف وتوفر الإرادة والعزيمة لدى المقاتلين الجنوبيين رغم استماتة مليشيات الحوثي في مواقعها واستهانة قادة المليشيات بأرواح مقاتليهم التي حصدتهم نيران القوات الجنوبية بالمئات.
حظيت هذه المعركة باهتمام محلي وإقليمي ودولي حيث أشاد العديد من القادة العسكريين والمحللين الاستراتيجيين بكفاءة قوات العمالقة الجنوبية وقدرتها على حسم المعارك بسرعة قياسية وهو الأمر الذي اشتهرت به في كل المعارك التي خاضتها بدأً بمعارك تحرير الساحل الغربي ومحافظة الحديدة وصولاً إلى ملحمة تحرير بيحان.
أهمية التحرير وتأثيره على الجنوب
تحرير بيحان كان بمثابة خطوة استراتيجية كبيرة نحو استعادة دولة الجنوب، إذ أسهم في تعزيز سلطة الحكومة المحلية وإطلاق مشاريع تنموية لإعادة إعمار المنطقة بعد سنوات من التدمير والاحتلال الحوثي.
أكد الانتصار في بيحان على كفاءة القوات الجنوبية، وعلى التلاحم الشعبي والعسكري حيث مثّلت المعركة نموذجًا للوحدة الجنوبية،وتضافرت جهود أبناء شبوة مع القوات الجنوبية المسلحة لتحقيق هذا النصر الكبير.
أعاد تحرير بيحان الأمل في استكمال مسار التحرر، وأصبح مصدر إلهام للشعب الجنوبي للالتفاف حول مشروع الدولة الجنوبية واستعادة الكرامة والسيادة الوطنية والثقة بالقوات المسلحة الجنوبية وقدرتها على ردع أي عدوان على أراضي الجنوب.
التضحيات الجسام: شهداء الحرية وبناة المستقبل
لن يُنسى الدور البطولي الذي لعبه شهداء معركة تحرير بيحان، الذين قدموا أرواحهم رخيصةً في سبيل الحرية والكرامة. هؤلاء الشهداء هم رموز للتضحية والفداء، وقد جسدوا المعنى الحقيقي للنضال من أجل الوطن.
يتذكر الجنوبيون في الذكرى الثالثة لتحرير بيحان تضحيات شهداء المعركة التاريخية واستذكار قصص البطولة والفداء التي سطروها على تراب بيحان.
كما يحرص الآباء في الجنوب استغلال هذه المناسبات لتعريف أطفال الجنوب بشهداء الوطن وقصص تضحياتهم تخليداً لهم،وحثاً لأجيال المستقبل بالسير على طريق أولئك العظماء الذين قدموا أرواحهم ثمناً للحرية
حول هذا الأمر يقول المواطن الجنوبي مروان العكش “عند حلول أي مناسبة جنوبية اجدها فرصة لتعريف الأجيال الجديدة بما سطره آباءهم وإخوانهم وملاحم البطولة التي صنعها ابناء الجنوب”
يضيف مروان”عند جلوسي مع الأطفال أحاول أن اعطيهم لمحة تاريخية مختصرة عن الجنوب وتاريخه وشهداءه بهدف تعزيز الهوية الوطنية الجنوبية والولاء الوطني في نفوس الأطفال باعتبارهم مستقبل الجنوب المشرق.
احتفالات ذكرى التحرير
تشهد محافظة شبوة احتفالات رسمية وشعبية متنوعة عند حلول ذكرى تحرير بيحان
تتضمن هذه الاحتفالات مهرجانات جماهيرية وعروضًا فنية وخطابية، تعكس الفخر بالإنجاز وتعزز الوحدة الوطنية وتستذكر تفاصيل تلك الملحمة التي رسمت فصولها قوات العمالقة الجنوبية وقوات دفاع شبوة وأنجزتها بسرعة قياسية أذهلت العالم وشهدت للجيش الجنوبي بقوة البأس وشدة العزم والإخلاص للدين والوطن.
تطلعات المستقبل
تحمل هذه الذكرى رسالة واضحة: التمسك بالنصر كحافز لبناء مستقبل أفضل، والاستمرار في تعزيز وحدة الصف الجنوبي لمواجهة التحديات والمضي قدمًا في مسيرة التحرير والتنمية.
ذكرى التحرير ليست مجرد محطة للاحتفاء بحدث تاريخي، بل هي تأكيد على قوة الإرادة الجنوبية وقدرتها على صنع المستحيل.
هذا اليوم سيظل محفورًا في ذاكرة الجنوب كعلامة فارقة في مسيرته نحو استعادة دولته وتحقيق تطلعات شعبه في الحرية والكرامة.
زر الذهاب إلى الأعلى