مقالات وتحليلات

صرخة المرتبات بين صبر الجنود واشتراطات المعيقلي

صرخة المرتبات بين صبر الجنود واشتراطات المعيقلي

كنب / عبدالسلام محمد قاسم

يدخل العسكريون شهرهم الرابع بلا مرتبات، فيما يقترب المعلمون من الشهر الثالث، ومعهم آلاف الموظفين الذين يواجهون المصير ذاته: غياب الراتب، وانطفاء الأمل، وتزايد المعاناة.  

إنها ليست أرقامًا ولا مجرد إحصائيات مالية، بل حكايات عائلات تترقب كل يوم بصيص أمل في أن تُفرج كربة الراتب. فمع بداية عام دراسي جديد، يقف الأب حائرًا أمام أبنائه، عاجزًا عن شراء دفتر أو قلم أو زي مدرسي. بينما الأم تستقبل العام وهي تتساءل: كيف يذهب أولادنا إلى مدارسهم بلا أدوات؟ وكيف يواجهون مستقبلاً يبدأ بالنقص والخذلان؟  

وهنا يطرح السؤال الكبير بجرأة: أين وصل كشف الإعاشة ورواتب كبار الدولة التي تُصرف لهم بالدولار والعملات الصعبة بانتظام، بينما جندي مرابط على الجبهة لا يجد ما يسد به رمق أولاده؟ أليس الأولى أن يُعاد النظر في هذه المفارقات الصارخة التي تزيد الفقير فقرًا والغني غنى؟  

ولعل ما زاد المشهد قتامة هو تصريح محافظ البنك المركزي، أحمد المعيقلي، الذي قال صراحة: **”لن يتم صرف المرتبات إلا بعد توفر الإيرادات الكافية وانتظام توريدها إلى البنك المركزي، ولن يُسمح بالإنفاق خارج إطار الموارد المتاحة”**. تصريح جعل الملف أكثر تعقيدًا، فبدل أن يكون الراتب حقًا مكتسبًا يُصرف بانتظام، صار معلقًا على اشتراطات وإجراءات قد تطول، وكأن معاناة الجندي والمعلم والموظف يمكنها أن تنتظر.  

لقد تحولت المرتبات – وهي حق مشروع ودستوري – إلى ملف مُعقد، تُدار حوله النقاشات والوعود، بينما الواقع ينزف كل يوم. وإن استمرار هذا الحال في بلدٍ يعيش الحرب والأزمات هو ضرب من العبث، لأن أبسط مقومات العدالة تبدأ من إنصاف الجندي والمعلم والموظف.  

إن حرمان هؤلاء من حقوقهم لا يعني فقط تجويع الأسر وإفقارها، بل يهدد منظومة الدولة كلها، فالعسكري بلا قوت قد يُهزم، والمعلم بلا أجر قد يتوقف، والموظف بلا راتب قد يُحبط، ومتى انهار هؤلاء، سقطت أركان الدولة ذاتها.  

من هنا فإن صرخة المرتبات اليوم ليست مجرد مطلب مالي، بل هي نداء وطني وأخلاقي لكل من بيدهم القرار: أعيدوا الحق لأصحابه، وأنصفوا من يحرسون الوطن بسلاحهم، ويزرعون في عقول أجياله نور العلم، ويديرون مرافقه رغم القهر والعناء.  

فالوطن لا يقوم بالوعود ولا يصمد بالشعارات، بل يقوى حين يحيا أبناؤه بكرامة، ويثبت حين تُصان حقوقهم الأساسية، وأولها الراتب.  

٨ سبتمبر ٢٠٢٥م

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى