مقالات وتحليلات

محمد ناجي سعيد… حين تنحني الجبال إجلالاً لرمزٍ لا يُغادر الذاكرة

محمد ناجي سعيد... حين تنحني الجبال إجلالاً لرمزٍ لا يُغادر الذاكرة

كتب / ذياب الحسيني  

ليس كل من يرحل يُغادر، فبعضهم يخلّد نفسه في الوعي الجمعي، لا كأشخاصٍ عابرين، بل كأفكارٍ متجذّرة، ومواقفٍ لا تُنسى، ومساراتٍ تُلهم الأجيال. اللواء محمد ناجي سعيد لم يكن مجرد مناضلٍ جنوبي، بل كان حالةً نضالية متكاملة، تجاوزت حدود الجغرافيا، وتخطّت مفاهيم القيادة التقليدية، ليُصبح تجسيدًا حيًا لفكرة الجنوب الحر، ومرآةً صافية تعكس تطلعات شعبٍ بأكمله.

لم يكن حضوره في المشهد الجنوبي طارئًا أو عابرًا، بل كان امتدادًا طبيعيًا لوعيٍ ثوريٍ متراكم، تشكّل عبر عقودٍ من الكفاح، وتبلور في شخصيته كقائدٍ لا يُساوم، ومفكرٍ لا يُهادن، وإنسانٍ لا ينكسر. لقد كان اللواء محمد ناجي سعيد بمثابة الجسر الذي عبرت عليه القضية الجنوبية من مرحلة الحلم إلى مرحلة التأسيس، ومن زمن الشعارات إلى زمن البناء السياسي.

في كل محطةٍ من حياته، كان يُعيد تعريف النضال، لا بوصفه صراعًا مسلحًا فقط، بل كمنظومةٍ أخلاقيةٍ متكاملة، تُحاكي الإنسان في جوهره، وتُعيد تشكيل الوعي الجمعي وفق قيمٍ عليا من الكرامة، والعدالة، والانتماء. لم يكن يُقاتل من أجل الأرض فقط، بل من أجل المعنى، من أجل أن يكون للجنوب صوتٌ يُسمع، ورايةٌ تُرفع، وقرارٌ يُحترم.

لقد اختار أن يكون في الصفوف الأولى، لا حبًا في الظهور، بل إيمانًا بأن القائد الحقيقي هو من يسبق شعبه بخطوة، لا ليأمر، بل ليُلهم، لا ليُسيطر، بل ليُرشد. كان حضوره في الميدان أشبه بظلٍّ لا يفارق الحراك، وصوته في المنابر أشبه بنداءٍ لا يخفت، وموقفه في المحن أشبه بجدارٍ لا يُهدم.

وحين ترجل، لم يكن ذلك نهاية، بل بداية أخرى لمسيرته، ولكن هذه المرة في الذاكرة، في الضمير، في كل هتافٍ يُنادي بالحرية، وفي كل موقفٍ يُستلهم من شموخه. لقد تحوّل إلى فكرة، إلى رمز، إلى مرجعيةٍ لا تُغادر، وإلى نبراسٍ يُضيء الطريق لمن قرروا أن يسيروا على ذات الدرب، مهما كانت التضحيات.

إن الحديث عن اللواء محمد ناجي سعيد ليس رثاءً، بل استدعاءٌ لمشروعٍ لا يزال حيًا، واستنهاضٌ لروحٍ لا تزال تُلهم، وتجديدٌ لعهدٍ لا يزال قائمًا. لقد رحل الجسد، لكن الفكرة باقية، والموقف مستمر، والنضال متواصل، والجنوب لا يزال يُنادي باسمه، ويُردد صدى صوته في كل ساحةٍ، وكل وجدانٍ حر.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى