تقـــارير

نبض الضالع: بين ذاكرة الماضي وطموحات المستقبل

نبض الضالع: بين ذاكرة الماضي وطموحات المستقبل

صوت الضالع/رصد وتحليل: هشام صويلح

تقدّم الكاتبة جليلة الشاعري في نصّها عن الضالع لوحة إنسانية متكاملة، تمزج فيها الذاكرة بالمستقبل، والحنين بالواجب الوطني، لتصوّر مدينة تبحث عن غد يليق بتاريخها. كلماتها تتدفق في مسار يبدأ بالعاطفة وينتهي بدعوة صادقة للعمل

منذ البداية، تصور الشاعري الضالع ليس كمكان جغرافي فحسب، بل كهوية ذات نبض داخلي، فتقول:

“حين أكتب عن الضالع، لا أكتب عن مدينة عابرة في الجغرافيا، بل عن نبض يسكن القلب، عن ذاكرة محفورة في تفاصيل الوجوه، في ملامح الجبال، في أصوات الأطفال التي تتردد في الأزقة.”

وتؤكد أن المحافظة تتجاوز حدود الجغرافيا لتصبح حالة وجدانية:

“الضالع ليست مجرد محافظة جنوبية، بل هي حالة وجدانية، تختصر في طياتها معاني الصمود، والكرامة، والتحدي.”

ورغم الحنين إلى الماضي، تنقل الشاعري النص إلى المستقبل، مشيرة إلى أن الأفق القادم يحتاج إلى الانتباه والعمل:

“لكنني اليوم لا أكتب عن ماضيها، بل عن مستقبلها.”

“عن تلك المسافة الفاصلة بين ما نحلم به وما نعيشه، بين الأمل الذي يسكننا، والعمل الذي ينتظرنا.”

وترتبط الشاعري بتجربتها الشخصية لتسرد الجذور الأولى والصمود اليومي لأهل المدينة، فتقول:

“نشأتُ في الضالع، بين جبالها الشامخة ورجالها الصامدين.”

وتستحضر أثر والدها في تشكيل وعيها الوطني:

“عرفت من والدي معنى الانتماء للوطن والاخلاص والوفاء، وتعلمت منه أن الكرامة لا تُشترى، وأن الصبر ليس ضعفًا بل قوة.”

هذا الإرث يقودها إلى ملاحظة قدرة الناس على النهوض رغم الصعاب:

“رأيت كيف ينهض الناس من تحت الركام، كيف يزرعون الأمل في أرض أنهكتها الحروب بكل انواعها، وكيف يبتسمون رغم الألم.”

لكن الواقع ليس دائمًا رحيمًا، فهي لا تغفل المعاناة والانتظار:

“لكنني رأيت أيضًا وجوهًا أنهكها الانتظار، وعيونًا تبحث عن بارقة أمل في أفقٍ ملبدٍ بالغيوم.”

“رأيت شبابًا يحملون الشهادات ولا يجدون عملًا، وأطفالًا يقطعون المسافات الطويلة إلى مدارس بلا أبواب ولا نوافذ… إلى مدارس بلا جدران تحت العراء.”

رغم هذه التحديات، تبرز الشاعري قدرة الضالع على الحلم والعمل، مشيرة إلى المبادرات التي تزرع الأمل في المدينة:

“رغم كل شيء، لا تزال الضالع تحلم. تحلم بمستقبل أفضل، بمدارس حديثة، بمستشفيات تليق بكرامة الإنسان، بطرقات تصل القرى بالمدن، وبفرص عمل تحفظ للشباب كرامتهم.”

“هذا الأمل ليس وهمًا، بل هو وقود الحياة. هو ما يجعلنا ننهض كل صباح، نكافح، ونؤمن أن الغد سيكون أفضل.”

وتتجلى هذه الرؤية على أرض الواقع:

“لقد رأيت بأم عيني مبادرات شبابية تنبت من رحم المعاناة.”

“رأيت شبابًا ينظفون شوارعهم، يرممون مدارسهم ومساجدهم، ويطلقون حملات توعية صحية وتعليمية.”

“رأيت نساءً يفتحن مشاريع صغيرة من منازلهن، متحديات كل الظروف. هذا هو الأمل حين يتحول إلى فعل.”

وفي الوقت نفسه، تؤكد أن الأمل وحده لا يكفي، وأن العمل هو ما يترجم الرؤية إلى واقع:

“لكن الأمل وحده لا يكفي.”

“لا بد من العمل، من التخطيط، من الإصرار.”

وتحدد أولويات التنمية التي تحتاجها الضالع:

“الضالع تحتاج إلى مشاريع تنموية حقيقية، إلى بنية تحتية تُبنى لا تُرمم فقط، إلى تعليم يُخرّج مفكرين لا مجرد حملة شهادات، إلى اقتصاد محلي يُبنى على الزراعة والصناعة الصغيرة، لا على المساعدات.”

وتوضح أن التغيير يبدأ من الداخل:

“نحتاج إلى أن نؤمن بأن التغيير يبدأ من الداخل، من كل فرد فينا.”

“أن نكف عن انتظار الحلول من الخارج، وأن نبدأ نحن في صناعة الفارق.”

“أن نُعيد الثقة بأنفسنا، ونُعيد للضالع مكانتها كمنارة للوعي، ومهدٍ للنضال، وموطنٍ للكرامة.”

وفي الختام، تتحول الأقوال إلى التزام جماعي ومسؤولية مشتركة:

“الضالع تستحق أن نحلم لها، وأن نعمل من أجلها.”

“تستحق أن نُعيد لها بريقها، وأن نُخرجها من دائرة الحرب إلى فضاء التنمية.”

“لا أحد سيبنيها سوانا، ولا أحد سيحمل همها غير أبنائها.”

“فلتكن خطواتنا القادمة مزيجًا من الأمل والعمل. لنُحسن الظن بالغد، لكن دون أن نغفل عن مسؤوليتنا تجاه اليوم.”

“لأن الضالع، بكل ما فيها من وجع وجمال، لا تزال تنتظرنا… تنتظر من يكتب فصولها القادمة، لا بالحبر، بل بالعرق، وبالإرادة، وبالإيمان.”

الضالع بالنسبة للشاعري ليست مجرد مكان على الخريطة، بل كيان حي نابض بالذاكرة والانتماء. الأحداث اليومية ترتبط بتاريخ المدينة وصمود أهلها، مما يمنح النص مصداقية شعورية ويقرب القارئ من المكان والناس. وفي الوقت نفسه، تتطلع الشاعري إلى المستقبل، حيث الأمل يتحول إلى فعل ملموس يبدأ من كل فرد ومن المجتمع ككل. التغيير يحتاج للعمل والإرادة، والمبادرة تنطلق من الداخل قبل انتظار الحلول من الخارج. النص يجمع بين الحنين والتحليل والدعوة للعمل، مؤكّدًا أن الأمل ليس مجرد شعور، بل قوة تدفع الضالع نحو غد أفضل وأمل أقوى لأهلها.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى