صوت الضالع/ تقرير/ محمد الزبيري
في تحول استراتيجي سيُكتب عنه طويلاً في تاريخ الجنوب، بزغ فجر “المستقبل الواعد” على وادي حضرموت، منهياً ثلاثة عقود من الوجود العسكري لقوات الاحتلال اليمني أو ما تعرف بالمنطقة العسكرية الأولى خلال ساعات معدودة.
وبدعم شعبي منقطع النظير، تمكنت القوات المسلحة الجنوبية، وفي طليعتها قوات النخبة الحضرمية، من بسط سيطرتها الكاملة على مدن الوادي الرئيسية، وفي مقدمتها سيئون،قبل أن تتمدد بسرعة نحو العبر ومحافظة المهرة معلنةً بدء حقبة جديدة طال انتظارها من الأمن والتمكين لأبناء حضرموت والجنوب كافة.
انطلقت عملية “المستقبل الواعد” فجر الأربعاء 3 ديسمبر 2025، كاستجابة حتمية لمطالب شعبية متصاعدة، وبعد استنفاد كل السبل السياسية لإنهاء حالة الانفلات الأمني وتحويل الوادي إلى إدارة أبنائه.
فلطالما عانى وادي حضرموت، تحت سيطرة المنطقة العسكرية الأولى، من تدهور أمني مريع، وانتشار للجماعات الإرهابية، ونهب ممنهج للثروات، وتحويل المنطقة إلى ممر لتهريب الأسلحة والممنوعات لصالح ميليشيات الحوثي.
وجاءت العملية العسكرية لتضع حداً لهذا الواقع المرير، وتستجيب لإرادة شعب الجنوب في تأمين أرضه وفرض سيادته عليها.
لم تكن العملية مجرد تحرك عسكري، بل كانت تتويجاً لنضال طويل وتضحيات جسام، وتجسيداً لوحدة الهدف والمصير التي تجمع أبناء الجنوب من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً.
إن الانهيار السريع والمذهل لقوات المنطقة العسكرية الأولى، رغم ترسانتها العسكرية الضخمة، لم يكن مفاجئاً للمراقبين الذين أدركوا أنها كانت بنية هشة، فاقدة للحاضنة الشعبية، ومنعزلة عن قضايا محيطها.
في المقابل، تقدمت القوات الجنوبية وهي تحمل مشروعاً وطنياً واضحاً، وتستند إلى إرادة شعبية صلبة، فكان النصر حليفها، وكان استقبال الحضارم لها استقبال الأبطال الفاتحين، في مشاهد تاريخية أعادت إلى الأذهان فرحة تحرير العاصمة عدن.
*انهيار “النمر الورقي”: كيف سقطت المنطقة العسكرية الأولى بهذه السرعة؟*
كان سقوط المنطقة العسكرية الأولى، التي ظلت جاثمة على صدر وادي حضرموت لعقود، سريعاً ومدوياً، كاشفاً عن حقيقة أنها لم تكن سوى “نمر من ورق”. على الرغم من امتلاكها أسلحة ثقيلة ومتنوعة، إلا أن هذه الترسانة لم تصمد لساعات أمام تقدم القوات الجنوبية.
يعود هذا الانهيار الخاطف إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي قضت على أي قدرة لديها على المقاومة الحقيقية.
أهمها العزلة التامة عن الحاضنة الشعبية فقد نظر أبناء حضرموت دائماً إلى هذه القوات كقوة احتلال، ارتبط وجودها بقمع “الهبات” الشعبية، واغتيال الرموز القبلية مثل المقدم سعد بن حبريش، وحماية شبكات نهب الثروات، وتوفير ملاذ آمن للجماعات الإرهابية. هذا الرفض الشعبي جعلها معزولة تماماً، تقاتل في أرض لا تنتمي إليها، وضد شعب يراها عدواً.
التفوق التكتيكي والإرادة القتالية للقوات الجنوبية على عكس خصومهم، كانت القوات الجنوبية تمتلك عقيدة قتالية واضحة: تحرير الأرض وتأمينها.
تقدمت هذه القوات بخطة محكمة، معتمدة على عنصر المفاجأة والتقدم السريع من عدة محاور، وبإسناد مباشر من أبناء حضرموت الذين كانوا عيوناً وآذاناً للعملية.
رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، قال إن دخول القوات جاء “ليكون عوناً لأهالي الوادي”، مشيداً بدور أبناء حضرموت الذين “هبوا مع ساعات الفجر الأولى لاستعادة أمنهم وكرامتهم”.
وهكذا، تبخرت أسطورة “الترسانة الضخمة” في مواجهة إرادة شعب تواق للحرية وقوات مسلحة محترفة ومنضبطة.
لم تكن المعركة معركة عتاد، بل كانت معركة إرادة وحق، وفيها انتصر الحق الجنوبي بشكل حاسم.
*مشاهد الفرحة الغامرة في مدن الوادي*
بمجرد أن وطأت أقدام طلائع القوات المسلحة الجنوبية أرض سيئون وتريم والقطن، تحولت الشوارع إلى ساحات للاحتفال، وانفجرت مشاعر الفرحة التي كانت مكبوتة لعقود.
لم يكن المشهد مجرد ترحيب بقوة عسكرية، بل كان احتفاءً بالتحرير وعودة الأرض إلى أهلها.
خرج المواطنون من كل الأعمار، رجالاً ونساءً وأطفالاً، لاستقبال الجنود بالزغاريد والأعلام الجنوبية والأهازيج التي تمجد النصر.
في مقاطع فيديو مؤثرة انتشرت على نطاق واسع، عبر المواطنون عن سعادتهم التي لا توصف.
قال أحد المواطنين المسنين والدموع تترقرق في عينيه: “الحمد لله، جاء الحق وزهق الباطل اليوم إخواننا الجنوبيين هم السند لمحافظة حضرموت وهي الحرية تشرق شمسها من جديد ونعلن للعالم كله ..لقد طردنا الاحتلال واسقطنا المنطقة العسكرية الأولى الغاشمة”.
هذه الفرحة العارمة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات من المعاناة تحت وطأة الانفلات الأمني والظلم. لقد رأى الحضارم في القوات الجنوبية المنقذ الذي سيعيد الأمن المفقود ويطوي صفحة سوداء من تاريخهم. كانت مشاهد العناق بين الجنود والمواطنين، ورفع الأطفال على أكتاف الجنود، وتوزيع الحلوى والمياه على القوات المتقدمة، دليلاً ساطعاً على أن هذه القوات لم تكن غازية، بل كانت محررة وموضع ترحاب.
إن هذه الفرحة الشعبية هي أكبر دليل على شرعية العملية العسكرية، وهي استفتاء شعبي عفوي على أن حضرموت كانت وستظل جنوبية الهوى والهوية، وأن أهلها يرفضون أي وصاية أو احتلال، ويتطلعون إلى مستقبل آمن ومستقر تحت راية دولتهم الجنوبية الفيدرالية.
*وحدة الهدف والمصير*
لم تكن عملية “المستقبل الواعد” مجرد عملية عسكرية لحضرموت، بل كانت ملحمة جنوبية بامتياز، شاركت فيها وحدات من مختلف محافظات الجنوب، وتجسدت فيها أسمى معاني وحدة الهدف والمصير.
لقد أثبتت هذه العملية أن قضية الجنوب كل لا يتجزأ، وأن أمن حضرموت هو من أمن عدن وشبوة وأبين والضالع ولحج والمهرة.
جاء بيان المجلس الانتقالي الجنوبي كتأكيد واضح على هذه الحقيقة: “إن حضرموت كانت وستظل ركناً أساسياً في مشروع الدولة الجنوبية، ولن نقبل أن تبقى رهينة لمشاريع الإرهاب أو الهيمنة أو التهريب”
هذا البيان لم يكن مجرد خطاب سياسي، بل كان تعبيراً عن عقيدة راسخة لدى القيادة الجنوبية وشعب الجنوب، وهي أن تحرير أي شبر من أرض الجنوب هو واجب مقدس ومسؤولية مشتركة.
لقد كانت العملية امتداداً طبيعياً لعمليات سابقة مثل “سهام الشرق” في شبوة و”سهام الجنوب” في أبين، والتي هدفت جميعها إلى تطهير أرض الجنوب من قوات الاحتلال والجماعات الإرهابية.
التسلسل في العمليات يؤكد وجود استراتيجية جنوبية متكاملة لتحرير كامل التراب الوطني وتأمينه، خطوة بخطوة، وبإرادة لا تلين.
إن وحدة الهدف والمصير التي تجلت في حضرموت هي الضمانة الحقيقية لمستقبل الجنوب.
فعندما يتوحد الجنوبيون خلف قيادتهم وقواتهم المسلحة، لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض أن تقف في وجه طموحاتهم المشروعة في استعادة دولتهم كاملة السيادة.
*من العبر إلى المهرة: انتشار خاطف يرسم حدود الدولة*
لم تقتصر عملية “المستقبل الواعد” على وادي حضرموت، بل امتدت بسرعة خاطفة لتشمل مناطق استراتيجية حيوية، وصولاً إلى محافظة المهرة، البوابة الشرقية للجنوب.
هذا الانتشار السريع لم يكن مجرد توسع عسكري، بل كان عملية إعادة رسم لخريطة السيطرة على الأرض، وتأكيداً على أن سيادة الدولة الجنوبية ستمتد على كامل جغرافيتها التاريخية.
فبعد ساعات قليلة من تأمين سيئون، تقدمت القوات الجنوبية لتسيطر على مقر اللواء 23 ميكا في مديرية العبر، وهي منطقة صحراوية ذات أهمية استراتيجية قصوى.
كما أعلن اللواء 11 حرس حدود في مديرية رماه ولاءه للقيادة الجنوبية، لتكتمل بذلك السيطرة على معظم صحراء حضرموت.
التطور الأبرز كان في محافظة المهرة، حيث انتقلت السيطرة على المؤسسات العسكرية والأمنية والحكومية إلى القوات الجنوبية بشكل سلمي ودون قتال. فقد أعلنت القيادات العسكرية والأمنية في المهرة ولاءها للقيادة الجنوبية، وتم تسليم محور الغيضة العسكري وميناء نشطون الاستراتيجي ومطار الغيضة والمنافذ البرية مع سلطنة عمان.
هذا الانتقال السلس للسلطة في المهرة يعكس حقيقة أن أبناء المهرة، مثلهم مثل بقية أبناء الجنوب، يتطلعون إلى الانضواء تحت راية الدولة الجنوبية، ويرفضون المشاريع المشبوهة التي حاولت عزل محافظتهم عن عمقها الجنوبي.
السيطرة على العبر والمهرة ليست مجرد انتصار عسكري، بل هي خطوة استراتيجية تؤمن حدود الدولة الجنوبية المستقبلية، وتقطع الطريق على أي محاولات لتقسيم الجنوب أو اختراقه.
*حرب الشائعات: المحاولات اليائسة لضرب التلاحم الجنوبي*
مع كل انتصار تحققه القوات المسلحة الجنوبية على الأرض، تنشط آلة إعلامية معادية لشن حرب من نوع آخر: حرب الشائعات والأكاذيب.
تهدف هذه الحرب النفسية إلى تحقيق ما عجزت عن تحقيقه القوة العسكرية: ضرب الروح المعنوية، وزرع الفتنة، وتشويه صورة القوات الجنوبية، وضرب التلاحم بين الشعب وجيشه.
فمع انطلاق عملية “المستقبل الواعد”، بدأت بعض الأبواق الإعلامية في الترويج لأكاذيب حول “نهب ممتلكات المواطنين” و”حدوث انتهاكات”. وهي نفس الأسطوانة المشروخة التي يتم استخدامها في كل معركة تحرير يخوضها الجنوب.
لكن وعي أبناء حضرموت ويقظتهم، ومشاهد الفرح والترحيب التي ملأت الشوارع، كانت كفيلة بدحض هذه الافتراءات وفضح أهدافها الخبيثة.
وقد كانت قيادة المجلس الانتقالي واعية لهذه المحاولات، فأصدرت توجيهات صارمة بحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، والتعامل بحزم مع أي تجاوزات فردية.
كما تم تخصيص أرقام طوارئ للمواطنين للإبلاغ عن أي شكاوى، في خطوة تعكس الشفافية والمسؤولية العالية.
إن هذه الحرب الإعلامية لن تتوقف، وستستمر ما دام هناك أعداء لمشروع استعادة الدولة الجنوبية.
لكن الرهان يظل على وعي شعب الجنوب، وقدرته على تمييز الحقيقة من الزيف، والتفافه حول قيادته السياسية وقواته المسلحة.
*تداعيات النصر ومستقبل الدولة الجنوبية**
إن عملية “المستقبل الواعد” ليست مجرد حدث عسكري عابر، بل هي نقطة تحول استراتيجية ستكون لها تداعيات كبرى على مستقبل الجنوب والمنطقة بأسرها. يمكن تلخيص أبرز هذه التداعيات في النقاط التالية:
أولاً ترسيخ سيطرة المجلس الانتقالي على أرض الجنوب بسيطرة القوات الجنوبية على وادي حضرموت والمهرة، يكون المجلس الانتقالي قد بسط سيطرته الفعلية على غالبية أراضي الجنوب وموارده ومنافذه الحيوية.
هذا الأمر يجعله اللاعب الأقوى على الأرض، ويمنحه موقفاً تفاوضياً صلباً في أي محادثات قادمة حول مستقبل اليمن والمنطقة ولم يعد بالإمكان تجاهل حقيقة أن الجنوب، بقيادة المجلس الانتقالي، أصبح أمراً واقعاً لا يمكن القفز عليه.
ثانياً، تسريع وتيرة استعادة الدولة الجنوبية: لقد أزال هذا النصر الكبير آخر العقبات العسكرية الكبرى أمام إعلان الدولة الجنوبية. فبعد تأمين حضرموت والمهرة، أصبحت جغرافيا الدولة مكتملة ومؤمنة، مما يجعل خيار إعلان الاستقلال واستعادة الدولة أقرب من أي وقت مضى.
ارتفعت الأصوات الشعبية المطالبة بالإعلان الفوري للدولة، باعتباره استحقاقاً طبيعياً لهذه الانتصارات.
ثالثاً،تغيير موازين القوى داخل مجلس القيادة الرئاسي فقد أضعف هذا النصر بشكل كبير القوى المناهضة لمشروع الجنوب داخل مجلس القيادة الرئاسي، وكشف عن هشاشتها وفقدانها لأي نفوذ حقيقي على الأرض.
في المقابل، تعزز موقف المجلس الانتقالي كقوة رئيسية وفاعلة لا يمكن تجاوزها. هذا الأمر سيفرض إعادة ترتيب للأولويات داخل المجلس، بما يخدم تطلعات شعب الجنوب.
رابعاً، إعادة تعريف علاقة الجنوب بمحيطه الإقليمي والدولي لقد أثبتت القوات الجنوبية أنها القوة الأكثر تنظيماً وفعالية في محاربة الإرهاب وتأمين الأرض وهذا الأمر يجعلها شريكاً لا غنى عنه للمجتمع الدولي والتحالف العربي في جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة.
إن الجنوب الآمن والمستقر، بقيادة المجلس الانتقالي، هو مصلحة إقليمية ودولية، لأنه سيساهم في تأمين الملاحة الدولية ومكافحة التهريب وقطع دابر الإرهاب.
في الختام، يمكن القول إن فجر “المستقبل الواعد” الذي بزغ في حضرموت هو فجر الدولة الجنوبية بأكملها. إنه انتصار للإرادة الشعبية، وتتويج لتضحيات جسام، وبداية لمرحلة جديدة من التمكين والسيادة.
أثبت شعب الجنوب وقواته المسلحة أنهم قادرون على صنع مصيرهم بأيديهم، وأن شمس دولتهم المستقلة التي غربت في عام 1990، قد أوشكت على الشروق من جديد، وهذه المرة لكي لا تغيب أبداً.
زر الذهاب إلى الأعلى