مقالات وتحليلات

اعتصامات الجنوبيين الشعبية المفتوحة: نحو دفع القيادة الجنوبية لإعلان الدولة…حقٌّ مشروع

اعتصامات الجنوبيين الشعبية المفتوحة: نحو دفع القيادة الجنوبية لإعلان الدولة...حقٌّ مشروع

كتب/ فضل صالح

لم تكن رحلة شعب الجنوب مع الوحدة اليمنية طريقا معبدا بالطمأنينة، ولا كانت السنوات التي أعقبت إعلانها عام ١٩٩٠م امتداد لمشروع وطني متماسك. فالوحدة التي استقبلها الجنوبيون بآمال عريضةتحوّلت سريعا إلى تجربة مضطربة، انتهت بحرب ١٩٩٤م التي غيّرت مسار التاريخ، وأطلقت شرارة شعور عميق بالخذلان لا يزال يتردد حتى اليوم. منذ تلك اللحظة، بدأ الجنوبيون يشعرون أن دولتهم السابقة -التي كانت مستقلة بأرضها وحدودها ونظامها- قد ألحقت قسرا بسلطة مركزية لم تحفظ مواثيق الشراكة، ولم تمنح الجنوب مكانته المستحقة.

في سردية الجنوبيين، لم تكن حرب ١٩٩٤م مجرد صراع عسكري، كانت لحظة فاصلة قوّضت خلالها مؤسسات الجنوب، وأقصيت كوادره، وتحوّلت موارده إلى غنائم حرب بيد المنتصر. بدأ التهميش يسري في مفاصل الحياة المدنية والعسكرية، فانطفأت أدوار كثير من القادة والموظفين الذين وجدوا أنفسهم خارج الخدمة، أو في مواقع هامشية. ومع مرور السنوات، لم يلحظ الجنوب إصلاحا، ولا خطوات ملموسة لاستعادة التوازن، بل شاهد اتساع الفجوة بين وعود الوحدة، وواقع السلطة.

ومع ذلك ظل الجنوب متمسكا بسلميته طوال سنوات الحراك التي بدأت عام ٢٠٠٧م، رافعا صوتا واحدا: 

إنّ ما خسره لا يُستعاد إلا بحق تقرير المصير. ومع اشتعال الحرب اليمنية في ٢٠١٥م،تغيّر المشهد جذريا. فالقوى الجنوبية التي خاضت أعنف المعارك ضد جماعة الحوثي، أثبتت قدرتها على حماية الأرض وإدارة المؤسسات، واستعادة الأمن من مدن كانت قد انهارت فيها الدولة.

في الضالع، ولحج، وعدن، وأبين، وشبوة، وحضرموت، والمهرة، وسقطرى، ثم في وادي صحراء حضرموت، قدّم الجنوبيون نموذجا لقوة منسجمة تعرف هدفها، وتحافظ على شراكتها مع التحالف العربي، وتقاتل ضمن منظمومة مشتركة تُقدّر الالتزام وتدرك قيمة الاستقرار.

هذه الانتصارات لم تكن مجرد مكاسب عسكرية، بل عودة فعلية للجغرافيا الجنوبية إلى أهلها، وعودة الوعي السياسي للمجتمع الذي استعاد ثقته بذاته، وبحقه. لقد لمس الجنوبيون أنّ الدولة ليست شعارا مجردا، بل بنية تُدار بكفاءة عندما تتوفر الإرادة الحرة.

ومن زاوية الحجاج السياسي، فإنّ مطلب إعلان الدولة الجنوبية لا يأتي من فراغ. فالتجارب الدولية أثبتت أنّ الشعوب التي تتعرض لتهميش بنيوي، أو تفقد حقها في إدارة مواردها، أو تُحرم من التمثيل العادل، تمتلك -وفق مبادئ القانون الدولي العرفي- الحق في المطالبة بإعادة صياغة علاقتها السياسية، وصولا إلى الاستقلال فقد سُدّت أمامهم كل السبل، والجنوبيون باجتهاداتهم السياسية وتضحياتهم، ويرون أنهم استنفذوا كل تلك السبل منذ ١٩٩٤م وحتى اليوم، وأن ما تبقى هو الاحتكام لحق أصيل لطالما أقرّه الواقع قبل أن تعترف به النصوص.

إنّ القول بأن الجنوبيين يملكون حق إعلان دولتهم ليس موقفا عاطفيا، بل استنتاج منطقي لثلاثة عقود من تجربة مشوهة لم تُبنَ على شراكة حقيقية، ولم تُنتج دولة عادلة. فدولتهم التي عرفوها قبل الوحدة لم تكن وهما، ومسارهم اليوم يؤكد أنهم قادرون على إدارة مؤسسات مستقرة، وحماية حدودهم، وصناعة نموذج مختلف للدولة في الإقليم.

ولذلك يبدو مطلب الجنوبيين اليوم أكثر نضجا من أي وقت مضى: كيان واضح، أرض محرّرة، إرادة شعبية واسعة، شراكات إقليمية قائمة، وتجربة مريرة مع شرعية لم تنصفهم منذ ١٩٩٤م حتى آخر لحظة في معارك حضرموت والمهرة. كل ذلك يجعل مطلبهم في استعادة دولتهم ليس مجرد خيار، بل حقٌّ مشروع يسنده التاريخ، ويبرزه الواقع، وتدعمه إرادة شعب صبر طويلا، وآن له أن يقرر مصيره.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى