مقالات وتحليلات

الدكتور عيدروس نصر يكتب : أين يكمن جذر المشكلة؟؟

الدكتور عيدروس نصر يكتب : أين يكمن جذر المشكلة؟؟
(1)
إثر مجموعة من المقالات المنشورة عبر صفحتي على فيس بوك والمتعلقة برداءة أداء حكومة معين عبد الملك التي يفترض أنها حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال وهي المسؤولة عن الجنوب وأهله وأرضه وثروته وأمنه، بموجب اتفاق الرياض، تلقيت مجموعة من رسائل العتاب المهذب من عديد من الاصدقاء، بعضهم من الأشقاء الخليجيين المتعاطفين مع القضية الجنوبية، وتحديداً مع حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته.
معظم الرسائل تستنكر ما أسماه البعض بــ”الشخصنة” أو “الاستعداء الشخصي” لمعين عبد الملك وتصوير المشكلة وكأنها معه شخصياً، وليست لها خلفيات أخرى منها السياسي ومنها الاقتصادي والمالي وغيرها من المبررات.
وفي حقيقة الأمر إنني لم أَعْتَدْ طوال كل تجربتي السياسية البسيطة، ونشاطي المتواضع في الكتابة والتدوين والنشر، لم أعْتَدْ أن أناقش الأشخاص أو الأسماء بذاتها، لكنني ككل مواطن أتناول الصفة الوظيفية التي يشغلها هذا الفلان أو ذاك، وعند ما أختلف مع شخص ليست له صفة رسمية فإنما أتوقف عند أفكاره ومواقفه وليس عند ذاته واسمه أو حتى سلوكه الخاص، لكن عندما يكون هذ الفلان هو رئيس حكومة، يفترض أنه لا ينام إلا بعد أن يتأكد أن مواطني بلاده يعيشون بأمان وأن البلد الذي يحكمه لا ينام فيه مواطنٌ جائعاً ولم تزهق فيه نفسٌ أو يرَقْ فيه دمٌ أو يتأخر مرتب موظف أو تمس حدود بلاده أو ، أو ، أو وعشرات الأوأوات التي يمكن الحديث عنها مما يدخل في إطار مسؤولية رئيس الحكومة، أي رئيس لأي حكومة في العالم، عند ما يكون الشخص المعني بهذا المقام فإن التعرض لاسمه ولمستوى قيامه بوظيفته وأدائه لمهماته يصبح واجباً أخلاقيا وقانونياً ودستورياً باعتباره مكلَّف من الشعب بإدارة أمور هذا الشعب وليس مدير لشركته الخاصة أو موظف في مزرعة أو مصنع أو مطعم للقطاع الخاص، ومن يتحدث عن رمزية الوظيفة أو قدسية المقام فإنما يذكرنا بأزمنة القمع والكبت والأحادية التي كان مدَّاحوها يعتبرون انتقاد موظف عام أو الاعتراض على سياسات تمس حياة الشعب، على إنها إساءة للــ”وطن” واستنقاص لـ”هيبة الدولة” وخدمة لـ”أعداء” “الثورة” و”الجمهورية” و”الديمقراطية” و”الوحدة”.
ولو أنَّ معين عبد الملك بقي موظفاً في شركة أولاد الصغير لما تعرض له أحد لكنه اليوم يتحمل مسؤولية بلد بعشرات ملايين سكانها .
(2)
وهنا لا بد أن نشير أننا نتحدث عن مستويين من الأخطاء والخطايا.
المستوى الأول وهو أخطاء وفشل حكومة معين عبد الملك التي تجاوزت كل مستويات أخطاء وخطايا ومفاسد الحكومات السابقة التي ليس فيها واحدة بدون أخطاء ومفاسد.
المستوى الثاني وهو جذر هذه الأخطاء والمفاسد والعيوب والجرائم وهو يتصل بطبيعة النظام السياسي الذي يتحكم بالبلاد، وعندما نتحدث عن البلاد فنحن نقصد بلاد الجنوب، لأن سكان ومساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) يحكمهم عبد الملك الحوثي سليل الأسرة المتوكلية الهاشمية، باستثناء بضعة مديريات في تعز ومأرب والحديدة ليس لمعين عبد الملك وكل وزرائه عليها أية سلطة، ولو بصرف ألف ريال يمني من مواردها.
إن جذر المشكلة في ما يتعرض له الجنوب ومواطنوه المغلوب على أمرهم لا يكمن في محض الصدفة ولا هو نتيجة لمحدودية الإمكانيات وشحة الموارد ولا حتى لسوء أداء القائمين على الحكم ، وعلى رأسهم الرؤساء الثلاثة: رئيس مجلس القيادة، رئيس البرلمان، ورئيس الحكومة، أبنا المحافظة الحبيبة تعز محافظة الثقافة والأدب والعلم والسياسة والمال والأعمال، أقول إن جذر المشكلة ليس في هذه العوامل (مع ما تلعبه هذه المسببات من كوارث في حياة أبناء الجنوب) لكنه يكمن في مكانٍ آخر، وهو أن الجنوب ما يزال يُحكَم، بمنظومة وسياسات وقوانين ودستور وشخوص (دولة) 1994م التي لم يكن الجنوب حاضراً في تخليقها وتصنيعها.
أقول هذا دون أن أزعم ببراءة القائمين على إدارة البلاد من المسؤولية عن كل قطرة دم تُسال وكل جريمة ترتكب في الليل أو في وضح النهار وكل أنَّة مريض وكل آهة فقير وكل أسرة باتت تطوي الجوع وراتب معيلها موقوف من قبل حكومة معين عبد الملك، وكل رعشة خوف وكل حالة غِش في امتحانات النقل وكل ذرة بودرة من المخدرات التي تنتشر في صيدليات وحوانيت عدن وعواصم محافظات الجنوب أكثر من انتشار الخبز والدواء، وجميع حالات الانفلات والتحلل والانهيار المجتمعي والمادي والإنساني والأخلاقي التي يتعرض لها الجنوب شعباً وموطناً وتاريخاً وهويةً وثقافةً.
وهكذا فإن الجنوب لن يعرف عافيةً ولا استقراراً ولا تنميةً ولا عدلاً، طالما بقي محكوماً بتلك المنظومة البائسة التي عادت بالمجتمع الجنوبي عقوداً طويلة إلى الوراء.
المتربعون على حكم الجنوب أبناؤهم وأفراد أسرهم يعيشون في أرقى العواصم ويمتلكون الأرصدة والعقارات والشركات، بما يؤمن لهم عشرة أجيال من ذريتهم، وحاضنتهم الاجتماعية تردد الصرخة خلف سيد الكهف، فما الذي يؤلمهم من معاناة أبناء عدن والجنوب! وماذا يعنيهم أن مات البعض جوعاً أو مرضاً أو تسمماً أو تفخيخا وتلغيماً!!
لا حل إلا بأن يحكم أبناءُ الجنوبِ الجنوبَ، وهو ما ليس بقائم، ويحكم أبناءُ الشمالِ الشمالَ وهو القائم اليوم، وبعد ذلك يمكن الحديث عن موضوع الدولتين وعن شكل العلاقة بين الشعبين، وما سوى ذلك سيظل الجنوب في وضع الاحتلال حتى لو صار كل الوزراء وكل النواب وكل الرؤساء جنوبيي المولد والنشأة والانتماء.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى