مقالات وتحليلات

هوية الانسان وشخصيته

 

صوت الضالع – د.علي مطهر علي

————————

دائما ما يتردد على مسامعنا مصطلح الهوية او هوية الانسان وشخصيته والهوية الثقافية،وهوية المجتمع وكيف يتم طمس هوية الفرد والمجتمع،وعليه ساطرق بشكل توضيحي لما ذكر في موضوع متواضع اخذ الطابع الواقعي -المنطقي – الفلسفي حتى يدركه المتلقي ويستوعبة بصورة سلسه ومبسطة .

 

– نبداء بمفهوم الهوية باعتبارها مجموعة من الخصائص والميزات التي يمتلكها شخص ما ويتم التعرف عليه من خلالها،ويمكن لمفهوم الهوية أن يبقى على تطور وتغيّر مدى الحياة،وبمعنى آخر فهو غير ثابت بحيث يشمل العديد من الجوانب التي لا يمكن التحكم بها،مثل لون البشرة،وجنس الفرد،أو حتى المكان الذي وُلد ونشأ فيه،بالاضافة إلى الجوانب التي يختارها الفرد بإرادته في الحياة مثل معتقده أو كيفية تمضيته لوقت الفراغ وغير ذلك.

وهناك بعض الجوانب من الهوية الشخصية التي يمكن أن يظهرها الفرد لمن حوله وذلك من خلال ما يرتديه،أو ما يمارسه من العادات والمعتقدات،أو من خلال تفاعله مع من حوله من أفراد المجتمع،ويمكن أن يحافظ على بعض الجوانب لنفسه بالرغم من أنها جوانب مهمّة جداً من شخصيّته.

وهنا تم طرح العديد من الأسئلة التي تدور حول طبيعة الإنسان وهويته عبر التاريخ،بحيث أفنى العديد من الفلاسفة والمفكرين حياتهم في البحث عن مفهوم الهوية،حيث قاموا بعمل محادثات حول أكثر الأسئلة طرحاً في المجتمع والذي بدوره أدى إلى وجود (فلسفة الهوية الشخصيّة) التي اشارت الى كيفية تكونت هوية الانسان منذ وجوده عبر الزمن،ومن الأسئلة التي سألوها الفلاسفة في هذا المجال كيف للفرد أن يعرف أنه ما زال الشخص نفسه منذ الصغر حتى الوقت الحاضر،بحيث يعالج هنا مسألة (الاستمرارية) أي استمرار وجوده عبر الزمن،فاقترح عددا منهم أن الاستمرارية هو الجواب الأمثل وذلك لأن الإنسان يمتلك الروح،وهو الجوهر الدائم فيه.

– اما الجوانب الرئيسية للهوية،فهناك العديد من الجوانب الرئيسيّة للهوية التي تلعب دوراً مهمّاً في فهم وتجربة العالم من حولنا،بالإضافة إلى تقبّل الفرص والتحديات التي نواجهها،ومن الأمثلة على هذه الجوانب: العمر، الجنس،الجنسية،الطبقة الاجتماعية،العرق،الدين .

– وبالنسبة لتنوع الهوية الذي يعني اختلافها، والذي يختلف من شخص إلى آخر فلا يمكن حصر الشخص بهوية واحدة،وهناك ثلاثة تصورات للتنوّع التي تشكل الهوية أو بالأحرى الهويّات وهي:

١-التنوّع الديموغرافي: يرتبط التنوّع الديموغرافي بالخصائص التي تميّز الشخص منذ ولادته وحتى بقيّة حياته، والتي تعتبر هويته الأصلية. 

٢-التنوّع التجريبي: يرتبط التنوّع التجريبي بحياة الإنسان وما يصنع فيها من تجارب،والتي تحدد له حياته العاطفية،والذي من خلاله يشارك ما يحب ويكره،والذي يؤدي إلى بناء مجتمعات عاطفية. 

٣- التنوّع المعرفي: يرتبط التنوّع المعرفي بإصرار الشخص للبحث عن عقول أخرى لاستكمال تفكيره أو طموحه،لذلك يمكن تسميته أيضاً بهوية الطموح،كما ان شخصية الانسان تختلف من شخص الى اخر بما في ذلك اختلافها بين الاخوة كاختلاف العادات والسلوك ومع ذلك فهناك العديد من الصفات تكون قاسما مشتركا بين عددا من الشخصيات المختلفة.

– من هنا يبرز الترابط الجدلي بين هوية الفرد والمجتمع وهو ما نسميه بالهوية والتفاعل الاجتماعي بمعنى ان الهوية مبنيه على مضامين تاريخية واجتماعية،والذي بدوره يقوم بمساعدة الناس للتعرف على هويتهم وكذلك على هوية الآخرين من خلال التواصل مع العائلة،والأقران، والمؤسسات، والمنظمات،ووسائل الإعلام وغيرها من وسائل التواصل في حياتنا اليومية،ومنهاالهوية الاجتماعية-الثقافيّة فإنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا السلطة وأنظمة القيّم والأيدولوجيّات وسنتطرق لهذا الجانب بشكل اوسع في سياق الحديث لاحقا،بالاضافه الى الهوية ووسائل الإعلام التي تلعب دوراً رئيسيّاً في نقل الأفكار والقيّم ومنحها الوزن والقوّة، حيث تستخدم الصور، والكلمات،والشخصيّات، بالإضافة إلى التمثيلات الاعلانية،كما تعتبر موقعاً للتغيير والذي من شأنه يعمل على نقل الايديولوجيات والمعايير، أي يعكس ما يحدث تماماً في المجتمع،أما علاقته بالهوية فإن جميع أعضاء وسائل الإعلام من كتّاب السيناريو والمخرجين ووكلاء الشركات ومصممي الأزياء والملابس يتّخذون جميع الخيارات التي تساعد الجمهور على فهم الهويّة الشخصيّة وما يهتمون به،بحيث يتحكمون من وراء الكواليس بالمكياج والشعر والطريقة التي تتحدث فيها الشخصيّات، وكيف يتحركون لإيصال الهدف من قصّتهم باختصار،وعندما يتم إنشاء الهويات في وسائل الإعلام فإن كل فرد يعتمد لفهم التمثيلات الاعلامية على الجوانب المختلفة للهويّة الخاصة به،وذلك لخلق هويته الخاصه والحصول على فكرة أفضل،كما ان كل مثال على وسائل الإعلام والأسئلة المصاحبة لها يدفعنا للبحث بعمق والتفكير الناقد في طريقة خلق الإعلام للقيّم والمعاني والتوقعات المرتبطة بهوياتنا .

وعليه فان هوية الفرد وبالتالي هوية المجتمع الذي ينتمي اليه تتم محاولات طمسها من قبل مجتمعات اخرى عن طريق الغزوا والاحتلال العسكري،وليس هذا فحسب بل عن طريق الغزوا الفكري عبر القنوات الفضائية والنت بكل ما فيه من شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي والتي تتخطى كل الحدود وجعلت من العالم بمثابة مدينة واحدة.

ومن هنا تبرز ثقافة التجهيل والتهجين,من أهم الوسائل التي تستخدمها القوى المستغلة,سياسيّة كانت أو اقتصادية,أو اجتماعية. وذلك بغية السيطرة على الجماهير وتحريكها وفقاً لمصالح هذه القوى المستغلة. ومن أبرز سمات وخصائص هذه السياسة :

١- زرع روح الامتثال والرضا لكل ما هو قائم, والتسليم والرضوخ لكل ما هو وهمي وغير عقلاني.

٢- تغييب مسألة الانتماء الحقيقي للوطن وتبديله بانتماءات ثانوية,دينيّة أو عرقيّة أو حزبيّة وتشجيع الانتماء للحزب أو للطائفة والمذهب أو للقبيلة أو للبطل الديني أو السياسي أو الاجتماعي كشيخ العشيرة والقبيلة. وهذا في الحقيقة ما يجعل حياة الفرد والمجتمع في كل مفرداتهما محدده بشكل مسبق بقوالب جامدة وكأنها قدر لا مناص للخلاص منه.

وعلى هذا الأساس لا تعود الثقافة هنا نشاطاً عقلانيّاً يتفاعل مع السياسة على اعتبارها فعلاً جماهيريّاً تلعب الثقافة فيه دور الموجّه لسياسة الدولة بما يخدم مصالح الدولة والمجتمع ككل.بل تصبح فعلاً نخبويّاً انتهازيّاً,تغرد فيه النخب المثقفة من تجار الكلمة بكل اتجاهاتها عبر وسائل الإعلام ودور الثقافة والعبادة, لمصلحتها ومصلحة السلطة الحاكمة فقط.

أو بتعبير آخر: يلتقي في مثل هذه الحالة ما هو سياسي مستبد ومتفرد بالسلطة,مع ما هو ثقافي نخبوي انتهازي على مساحة ضيقة,لا يُمارس النشاط السياسي والثقافي فيها إلا فئة صغيرة من المجتمع,هي وحدها من يقرر طبيعة النشاط الثقافي ودوره وأهدافه وبالتالي استهلاكه,انطلاقاً من الموقف السياسي أو الأيديولوجي الذي تتمتع به هذه الفئة الضيقة ومصالحها ومصالح أسيادها .

– بالاضافة الى سياسة التجهيل في الجانب التعليمي وفرض سياسة تعليم بشكل ممنهج يهدف الى تجهيل الشباب وبالتالي تجهيل المجتمع عموما وهذا ما ادى الى تدني المستوى التعليمي للطلاب في مراحل التعليم الاساسي والثانوي وانعكاسة على التعليم في المعاهد والجامعات وبالتالي على ردائة وهشاشة المخرجات لهذه المؤسسات التعليمية

 

الخلاصة :

نستخلص من كل الذي اوردناة سلفا والذي تركز بدرجة اساسية على بناء الهوية الشخصية للفرد باعتبارها الاساس لهوية المجتمع الذي يعيش فيه،فالانسان يعتبر الوحدة الوظيفية والتركيبية لذلك المجتمع،فبناء شخصية الانسان التي تمر بعددا من مراحل الحياة تبداء من الاسرة في السنوات الاولى من عمره وبعدها في المدرسة يليها في المجتمع كالجامعة والعمل ….الخ،فهنا يعتمد على ما يتلقاة الشخص خلال تلك المراحل العمرية المذكورة التي تحدد شخصيته والتي يكتسب منها العديد من السجايا والصفات قد تكون ايجابية ولربما تكون عكس ذلك وتؤثر سلبا على بناء وتكوين شخصيته، على الرغم من ان بعض تلك الصفات والتصرفات تعتبر كوظائف فيسيولوجية يتحكم بها العقل البشري الذي وهبة الله للانسان وميّزه عن سائر الحيوانات ،شريطه ان يكون هذا العقل سليم وان لا يكون قد تعرض للوثات عقلية او لمؤثرات تناول المخدرات وضغوطات نفسية او تعرضه للقهر والحرمان او يكون الشخص تربى في اسرة مشتته كانفصال الوالدين وانقطاع رعاية وتربية الاولاد،وانطلاقا من ذلك يجعل من الاشخاص الواقعين تحت الظروف المشار اليها يعيشون في بيئة سلبيه يحيط بهم اصدقاء السواء وما يترتب على ذلك من الانحراف السلوكي ولتخفيف من معانتهم حسب ما يعتقدون وهو اعتقاد خاطئ باللجواء الى تناول المخدرات بانواعها التي اصبحت تشكل آفة مجتمعية لن تتوقف عند الفرد والاسرة فحسب بل تمتد الى المجتمع ككل وهذا بدورة يؤدي الى مضاعفات جسمانية والى اضطراب وظائف العقل الطبيعيه،بسبب اضطراب وظيفة النواقل العصبية ومنها مثلا الدوبامين هرمون السعادة والنشوّة والبهجه والنشاط ويصبح الانسان كمسخ بشري بغير قادر على التفريق بين الضار والنافع وبين الحق والباطل وبين الصح والخطاء …..الخ،من هنا تبداء ممارساته وتصرفاته الانحرافية : يتجاوز القانون ويصاب بالغرور والعدوانية والانتقام وهتك حقوق الاخرين والتدخل بخصوصياتهم واستفزازاتهم وابتزازهم ويصل الى القتل اما يقتل اي شخص يختلف معه على اتفه الاسباب او يقتل نفسه (الانتحار) بشعورة بانه يمتلك الشجاعه ولديه ثقه بالنفس المزيفتان تحت تاثير المادة المخدرة ،،واحيانا تتاثر تلك الوظائف العقلانية بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الانسان لانه يؤثر ويتأثر بسلوك من يعيشون في تلك البيئه ايجابا او سلبا التي قد يكتسب منها الصفات الحميدة الفاضلة والسلوك القويم…الخ ويمكن ان يكتسب صفات عكسها تماما وهنا ياتي دور الاسره ومراقبة اولادهم وملاحظة بروز اي تصرفات لهم غير طبيعية بدات بالظهور في سلوكهم اليومي ومعرفة اصدقاء ابنائهم ،، والاهم من ذلك كله وعلي صعيد مجتمعنا الاسلامي بات من الضروري ان يتعلم ويعمل الانسان بكل ما جاءت به تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف والرجعوع الى كتاب الله تعالى وسنة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليتزود بالتقوى وقوة الايمان وهذا بدوره يولد الوازع الديني في الانسان لتترسخ فيه الصفات الفاضله الحميده التي يمارسها في سلوكة وتصرفاته اليومية مع الاخرين بعيدا عن الكراهية والغلو والتطرف ،، وبهذا يكون قد تمّ ضمان بناء وتكوين شخصية وهوية سليمة وقوية لا تنحني امام اي مؤثرات كانت .

بقي لنا كلمة اخيرة فليدرك الجميع ان اعادة تاهيل وبناء الانسان او جزاء من المجتمع الذي فقد هويته وشخصيته او جزاء منها وما لحقها من انحرافات في السلوك والتصرفات جراء عواصف الظروف البالغة التعقيد والمعاناة والمؤثرات البيئية والاجتماعية وكوارث الحروب التي لم يستوعبها وفشل في مواجهتها،بل واجهها باستراتيجية سلبيه ذهبت معها الاخلاق والقيّم الفاضله كالمصداقية والاستقامة والامانه والمحبه والتسامح …الخ وتغيرت سلوكه وتصرفاته في التعامل مع الاخرين بشكل مختلف عن ما كان مالوفا،وهذه مشاعر ناتجة عن وجود نقاط ضعف فيه اراد ان يعوضها بهكذا اساليب مشينة معتقدا بانه الصح وغيره على خطاء .

وهنا يكون من الصعب اعادة بناء وتاهيل نفسية وشخصية هولاء الافراد،بل اصعب بكثير من ترميم واعادة بناء البنية التحتية المجتمعية التي دمرتها الحروب،وهذا يتطلب تظافر جهود كل النخب المجتمعية لمواجهة هذه التحديات وتسخير الامكانيات المطلوبه للعمل بجد وتفاني لاعادة التاهيل النفسي واعادة بناء الشخصية والهوية للفئة العمرية المستهدفة والذي سينعكس على هوية المجتمع بشكل عام .

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى