كتب / محمد أبو عبيد
أقسم بالله حين أمسك جوالي أحيانا لأكتب تدوينة عن الإبادة بحق شعبي الفلسطيني خاصة في غزة، أعود وأتركه لأنني أعجز عن التعبير، وأنا الذي لدي من المفردات ما يكفي ،أبدأ بكتابة التدوينة وحين أجد مفردة، أشعر كأنها أجابتني يا قائلي اسمح لي أن أنسحب، فلست المفردة التي ستلبيك؛ لأني أقل من الوصف الذي تريد، ثم أبحث عن غيرها لتعتذر هي الأخرى كي لا تقترف إثم العجز عن التعبير.
ثم أترك الكلام لأحاول التعبير عما في داخلي بصورة من آلاف الصور الآتية من غزة، فأقع في الحيرة، هذه صورة مدماة وتدمي، فأبحث عن أخرى لأجدها تأبى الظهور، ثم أتفهم عذرها؛ لأنها لا تبحث عن اقشعرار الأبدان فقط، ثم تؤول إلى “أرشيف” الصور. وهكذا يلاحقني عجز التعبير، فلا هو تقصير ولا هو شح في المفردات.
كيف أعبر إذنْ وكيف أصف، وأنا الذي صرت أرى أطفال غزة في كل مكان تقع عليه عيناي، صرت أخال كل صوت هو صوت بكاء الرضيع المتألم من شظية الصاروخ، وصرت أرى في الكتب التي أقتنيها صور شهداء المذبحة، وحتى حين محاولة النوم من باب ضرورة الجسد -وكم يصعب النوم- أشعر كأن شلوًا من جسد الطفلة الشهيدة يعاتبني على ما فعلت كأن في الأمر خيانة.
هكذا تتناثر الأشياء من حولي، وتتشتت اللغة، فإن لملمتُ شيئا، فأقلّه قول عما يسمى “القانون الدولي” الذي أتمنى الآن أن يُلغى من الجامعات بوصفه تخصصا أكاديميا يدرّس، فالقانون المفضوح الذي عجز أمام الاحتلال لخمس وسبعين سنة، ولم يستطع لجم متغطرس، ولا معاقبة جانٍ مسلح قتل الأعزل المظلوم فُضِح أمره جليا حين تسيّدت غزة كل المشاهد والعناوين، وسمعت صرخات المنكوبين مدوية في أرجاء العالم، ثم لم تسمع لهذا “القانون الدولي” رِكزا.
إن الإنسانية لا تبحث عن “قانون دولي” هو مجرد نصوص وأبحاث وتخصص ومؤتمرات، إنما عن قانون ينفذ العدالة بحقها، ويعاقب من استحق العقوبة، وإلا فإنه قانون ليس أكثر من نغمات على آلة القانون كي تطرب الآذان فقط
زر الذهاب إلى الأعلى