خاطرة : أحمد مهدي سالم
تتبرعم الومضات في مسائي الكالح، المالح..
في انتظار الجميل، بهي الملامح..
الذي تستجيب لصوت وقعِهِ، وصدى همستِهِ.. كل الجوارح..
وتأتلق أعين الطيور في رحلة العودة إلى الأعشاش العاشقة التي تنثر فيما حولها دفء الاحتضان..
ويزهر المكان،
وعند لحظة عشق يتوقف الزمان..
وكأنها تسخر من طول انتظاري تحت شجرة الإثل الكبيرة لموعد غرامي مغامر
أبى ألَّا يتركني إلَّا وحيدا..
وتوهمت أنه سيجعلني سعيدا..
أودع خيبة العام، وأقفزُ
في مرحٍ طفوليٍّ أستقبل العام الجديدا..
وأهمس لنفسي عمرًا مديدًا..
مع أن الألم يمضَّني،
والمرض يعضَّني،
والجحود يهدَّني،
والكسور ترضَّني..
ولكن عزيمتي تتفولذ حديدَا..
يمرُّ الرعاة بجانبي عائدين إلى منازل القشِّ والزرائب،
وثغاء الأغنام يملأ مسمعي من كلِّ جانب،
وحركات تململ متثائب لصغارها التي لم تجد من العشب بما يكفي لهبوب موج الجفاف..
والبلد تمتصُّ، في قهرٍ جارحٍ، السَّمَّ الزُّعاف.
وحمير تجري وتنهق مطاردةً نباح وشقاوة كلاب صغيرة فقدت حنان الوالدين اللذين غادرا ذات يوم مع موسم قتل ذوات السعار..
وكانت الشمس في رابعة النهار..
وقد تكاثر عدد الكلاب التي غزت معظم مكاتب الإدارة..
تزعم عن استحقاق وجدارة،
وراحت تأكل كل طعام اليتامى..
و تتفرعن..تهذي.. تقود،
وتكبَّل إشراقات الروح بأقوى القيود..
وبضع أطفال شبه عراة أقبلوا من جهة بستان قديم يربض في غرب القرية الحزينة.. وبأيديهم حزم قليلة من القصب وبعض الطماطم..وفرخا حمام..
وعلى ملامحهم يتبدَّى عزم، و إيماض ابتسام..
كقططٍ تباغتك مواءً على غفلةٍ، وتبهرك عيونها في سواد الظلام..
بدأت أشعة الغروب التي تحاكي شفاه من أحبُّ، وقد غاب عن مجلسي.. بدأت.. تضعف.. تذوب،
وكادت تطير مع النسيم الهبوب،
وقد رسمت في ذهني وخيالي المنظر الحائرِ،
والجوَّ الشاعري
لأعينٍ تبكي من غير دموع،
وشوقٍ جارفٍ يهزُّ حنايا الضلوع..
غمضتْ عيناي..
ودبت في النفس حركة واثبة،
وصرخة راغبة..
لا بد أن نعيش..
نفرح ونتفاءل بالجديد،
” ما أضيق العيش! “.
زر الذهاب إلى الأعلى