صوت الضالع / تقرير/ عبدالباسط القطوي
مديرية الازارق محافظة الضالع، تتجاوز معاناة المواطنين حدود الواقع لتصل إلى مستويات مروعة خلال شهر رمضان المبارك وسط تلك البيئة القاسية، استمعت إلى قصة صغيرة تحمل في طياتها ألمًا لا يوصف وشجاعة لا تعد ولا تحصى، كانت الطفلة زهراء تروي لي معاناتها اليومية في جلب الماء، و كلماتها تحمل وزناً عظيماً لتحمل تلك المعاناة “نغدو بعد صلاة الفجر لجلب الماء من مناطق بعيدة، ونعود في منتصف النهار”، قالت الزهراء وهي تحاول إخفاء تعبها وراء ابتسامتها البريئة كانت العقارب تشير إلى الساعة الثانية عشرة ظهرا، وكانت الشمس ترتفع في السماء بحرارتها المحتدمة، والطريق المؤدي إلى مصدر الماء وعرًا وشاقًا، والمسافة بعيدة جدًا.
زهراء، بكلماتها البريئة وملامح وجهها الطفولية، تلخص معاناة السكان في مواجهة ازمة المياه التي تفاقمت في هذا العام لاسيما في هذه الشهر الفضيل حيث أصبح الناس غير قادرين على جلب وايت ماء ليخفف معاناة أطفالهم وزوجاتهم من جلب الماء من تلك المناطق البعيدة، تداخلت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للبلاد مع جفاف المياه في المديرية مما انهك كاهل المواطن، وأصبح المواطن عاجز بين أمور كثيرة مع راتبه الشهري الذي بالكاد أن يأتي بكيس دقيق ودبه زيت، وأصبح الويت الماء أمرًا مستحيلا وتجرعة المراه والأطفال مرارة الحياة في جلب المياه خاصة في شهر رمضان تكون المعاناة مضاعفة .
فيما تشتد معاناة البحث عن الماء في هذا الشهر الفضيل، يتحدث المواطن يوسف بكلمات مؤثرة عن تأثير نقص الماء على حياة الناس يقول يوسف بصوت مرتجف: “الماء هو الحياة، ونحن نعاني من نقصه بشدة يصبح الوصول إلى الماء أمرًا صعبًا للغاية، ونحن نضطر للسفر لمسافات طويلة وجلبه من مناطق بعيدة، هذا يستنزف طاقتنا ويضعفنا.”
يقول المواطن علي احمد طاهر في كل عام تشتد علينا أزمة الماء لكن هذا العام أزمة الماء شديدة الآبار السطحية التي يمتلكها بعض الرعية أصبحت قاحلة أصابها الجفاف وأن كانت بعض الآبار فيها ماء فهو ضئيل جداً وكما تعلمون صحت الماء في الآبار السطحية يكون ليس بنسبة جيده ليكون صالح لشرب ما بال إذا أصاب الآبار الجفاف كيف ستكون عذوبة وصحت الماء، ونضطر لشرب هذا الماء رغم أننا نعرف أنه غير صالح لشرب فهذا أمرنا الواقع، فقد وكلنا امرنا لله
من جانبها، تشارك المواطنة مريم اسم “مستعار” قصتها مع تحديات الماء في حياتها اليومية، تقول مريم بدموع في عينيها: “أنا أم لثلاثة أطفال صغار، وكانت رحلة جلب الماء تعبًا ومعاناة يومية بالنسبة لي، أحيانًا، أضطر لترك أطفالي وحدهم لأجلب الماء، وهذا يثير قلقي وألمي أتمنى أن يتم حل هذه المشكلة لكي نعيش حياة كريمة ونستطيع ان نعتني ونهتم بأطفالنا .
من جانبه، يشير الدكتور مطلق القطوي الذي يعمل في أحد المراكز الصحية في المديرية، إلى الآثار الصحية الخطيرة لنقص الماء، يقول الدكتور مطلق: “نحن نرى حالات كثيرة مصابة بأمراض والتراجع في الصحة خلال هذا الشهر، بسبب جفاف الآبار من الماء ولجوء الأهالي إلى آبار يكون مائها غير صالح للشرب ولا للزراعة. الأطفال وكبار السن يعانون بشكل خاص، ونشهد زيادة في حالات الإغماء والتعب الشديد بسبب حرارة الشمس وبعد المسافة إلى مكان مصدر الماء ولا يمكن تجاهل أهمية الماء في الحياة اليومية، ونحتاج إلى حلول عاجلة لتوفير المياه النظيفة والآمنة للسكان في المديرية من خلال حفر آبار جوفية.”
في سياق آخر، تحدث الأستاذ عبدالسلام صالح مثنى، مدير مدرسة في المنطقة، عن تحديات جلب الماء وتأثيرها على التعليم، يقول الأستاذ عبدالسلام بصوت متأثر: “إن نقص الماء يؤثر بشكل كبير على التعليم في المديرية، فالطلاب يضطرون للذهاب للبحث عن الماء بدلاً من حضور الدروس، أو يعودون متأخرين عن الدروس ومرهقين وغير قادرين على التركيز، ناهيك عن غياب الطلاب بسبب الأمراض مثل الإسهالات، والكوليرا، والبلهارسيا، والأمراض الجلدية والكلوية، الذي يصابون بها أثناء ذهابهم لجلب الماء، حيث يكون مكان مصدر المياه ملوثًا وغير صالح للشرب وهذا يؤثر سلبًا على تحصيلهم الدراسي وفرصهم المستقبلية” وندعو جهاتنا المسؤولة السلطة المحلية في المديرية والمحافظة بأتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أزمة المياه في المديرية.
الاستاذ عمار حسن يتحدث عن غياب السلطة المحلية والمنظمات وتوجهها إلى أمور تافهة، قائلا: “بسبب غياب السلطة المحلية عن دورها تجاه المواطنين والمنظمات التي توجه دعمها لأمور تافهة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، يعاني المواطنون أزمة مياه حادة في المديرية.
وأشار الإستاذ عمار إلى أن المديرية تحتاج إلى دعم لحفر آبار جوفية في المديرية، حيث إن الأرض مليئة بالماء وحفر الآبار الجوفية ليس بذلك التكلفة الباهظة مؤكداً أن الماء في باطن الأرض غزير وقريب جدًا، يحتاج فقط إلى حفر بعمق ثلاث مئة وخمسون مترًا، للحصول على مياه ذات جودة عالية، كما هو الحال في آبار تم حفرها سابقًا من قبل الدولة وكان الفساد المقاول يكمن في عدم تغليف البئر بشكل صحيح، مما تسبب في اندثارها وفشلها.
من جانبه يصف الدكتور وليد محمد ناجي شحة المياة في المديرية ومعاناة المواطنين قائلا: مصادرهم الوحيدة للحصول على المياه تعتمد على الآبار السطحية والخزانات الصغيرة المنزلية التي تجمع المياه في موسم الأمطار”، مضيفا مع استمرار ندرة الأمطار الموسمية، أصبحت الخزانات المنزلية وحتى المياه المستخرجة من الآبار غير كافية لتلبية احتياجات السكان طوال العام لافتاً إلى أن الأهالي يجدوا أنفسهم مضطرين للسفر إلى مناطق بعيدة خارج المديرية لجلب المياه، وهو ما يترتب عليه تكاليف مرتفعة جدًا، حيث يصل سعر نقل الوايت الواحد، الذي يتسع لسبعة آلاف لتر من الماء، إلى مئة ألف ريال.
فيما أشار الدكتور وليد أن جودة المياه في المديرية تعد مشكلة صحية كبيرة، يحتوي بعضها على نسب عالية من الكبريت، وخاصة المياه المستخرجة من الآبار الارتوازية، بينما تفتقر البعض الآخر إلى معايير الصحة العامة، مثل مستويات التوازن الحمضي ونسبة الكلور.
في سياق متصل قال الأستاذ سيف الربيزي: “في كل عام، تتجدد معاناة المواطنين في مديرية الازارق في شحة المياة خاصةً تلك المناطق الجبلية مثل حماده، والجبل وبراط، وقصابه وعباب التي تعتمد بشكل كلي على مياة الأمطار الموسمية والآبار السطحية لتأمين احتياجاتها من مياه الشرب ولكن، للأسف، هذه الآبار التي يعتمد عليها جميع المواطنين قد نفذ منها الماء، وأصبح المواطنون يعانون الآن من أزمة مياه خانقة نتيجة نضوب المياة في الآبار السطحية بسبب تأخر موسم الأمطار.”
وأضاف: “وما يزيد من حجم المعاناة هو أن هناك العديد من الآبار السطحية التي تنازل عنها مالكيها لتكون سبيل لله للمواطنين يشربوا و يسقون حيواناتهم منها ولكن عندما تفاقمت الأزمة، فقد بعض أصحاب هذه الآبار ضمائرهم الإنسانية وخصصوا مياه تلك الآبار لسقاية مزارع القات، ومنعوا الأهالي الاقتراب منها للحصول على الماء الذي يحتاجونه. مشيراً إلى أن فاعلون خير قاموا بحفر آبار سطحية وجوفية في مناطق الحمراء والقفلة وعباب بهدف تخفيف شدة أزمة المياه في تلك المناطق، ولكن للأسف، لم تكن هذه الآبار كافية لتخفيف معاناة المواطنين، فنسبة الماء فيها قليلة، بالإضافة إلى أن المياه المتوفرة فيها ليست صالحة للشرب، نظرًا لارتفاع نسبة الملوحة والحمضية بها بشكل كبير.
وفي ذات السياق قال رئيس تحرير موقع وصحيفة النقابي الجنوبي، صالح الضالعي: ” أن الحديث عن أزمة المياه في مديرية الأزارق بات كمثل البول في صحراء، كون الأمر غير مجدي وإن كانت صرخات الأهالي تجاوزت عنان السماء بعد تشقق الأرض في المديرية الأزرقية، والتي يطلقون عليها مديرية الشهداء، لم يشفع لها شهداءها أبدًا بقطرات مياه عذبة.”
وأوضح الضالعي أن الحكومات المتعاقبة كانت تقدم وعودًا، وتلك الوعود تشبه بوعود عرقوب التي لا قيمة لها. وأضاف قائلاً: “صحيح أن المديرية مترامية الأطراف وذو كثافة سكانية كبيرة، إلا أن هذا الأمر مصدر اهتمام أساسي لتوفير لها شربة ماء نقية.” وأكمل الضالعي حديثه قائلا: “إنه الحلم الذي يراود أبناء المديرية الأزرقية، وإن كان متبخرًا، إلا أنه لا مفر من أن يحلموا، وإن كان الحلم باطل الأباطيل.”
لحل هذه الأزمة، يقترح صالح الضالعي العمل على حل إسعافي لبعض المناطق التي تحتاج بشدة للماء، مثل استقطاب المنظمات الدولية لبناء سدود تكفي السكان حتى لموسم، وعلى الجهات المختصة ولا سيما الحكومة أن تتبنى مشروعًا كبيرًا، وإن كان مكلفًا، يتمثل في ربط عاصمة المديرية أولاً بمشروع مياه مدينة الضالع، والذي يتم إيصاله من منطقة حجر.
هكذا تستمر معاناة المواطنين بشكل دوري في كل عام في البحث عن الماء في مديرية الازارق وسط غياب وتجاهل الجهات المعنية السلطات المحلية والمنظمات الدولية.
زر الذهاب إلى الأعلى