صوت الضالع/ اب
يحتفل أهالي مدينةإب، من كل عام بمناسبة تقليدية تُسمى “الشعبانية” بأبهى حلة ويخرجون مع أقرانهم بفرحتهم وزينتهم يجمعون الهدايا والمبالغ من كل بيت في المدينة لتعزيز روح التكافل الاجتماعي وغرسها في نفوس الأطفال.
وتعد الشعبانية طقوس وعادات يتوارثها الأجيال، جيلا بعد جيل منذ عقود، “الشعبانية” في محافظة إب “وسط المدينة”، ليلة النصف من شهر شعبان، ليلة استثنائية ولها خصوصياتها وطقوسها المختلفة، عن بقية أيام السنة.
وعلى مدار ثلاثة أيام متوالية يحي الكثير من أبناء مدينة إب القديمة، كل عام طقوس واحتفالات شعبية خاصة، بمناسبة ما يُطلق عليها بـ “الشعبانية”، غير أنها لم تعد بذات الأهمية والمكانة التي كانت لدى الأجيال الماضية، في الوقت الذي يحاول الآباء وشباب المدينة القديمة المحافظة عليها من الاندثار والإبقاء عليها كطقوس وموروثات تقليدية ودينية وثقافية، منذ عقود عدة.
ومع قرب *”الشعبانية”* في كل عام، ينتظر أبناء المدينة القديمة والحارات القديمة هذا اليوم بفارغ الصبر، إذ يتم في لياليه عرض فقرات مسرحية وفي الهواء الطلق أبطالها شباب الحي، والجمل أسطورة الكوميديا فهو ليس حقيقي بل مجسم قماشي يدخل في أتونه اثنان أو ثلاثة من الرجال يسيرون ويؤدون حركات مثيرة للضحك والمرح الطاهر كما يقوم *”جمل الشعبانية”* بالرقص على أنغام الطبول وأناشيد الاطفال.
ويخالط تلك الأجواء روحانية عظيمة كما يقول الكثير من كبار السن وأبناء إب القديمة، حيث جسدتها العادات والتقاليد ومازالت مستمرة.
قبل ليلة النصف من شعبان تستعد نساء المدينة القديمة، بفنونهن المختلفة في عمل “الذمول” و”الطنفاش” ـ مأكولات شعبية محلية ـ وشراء الحلوى وغيرها من الاحتياجات التي تجري ضمن الاستعداد لطقوس “الشعبانية” فيما كان يجري قديما شراء الثياب الجديدة للأطفال والنساء تقوم بعمل نقشات الحناء على أيديهن للاستعداد لهذه المناسبة التي يرونها كـ “عيدية” خاصة.
كما يجري الاستعداد بفوانيس وشموع والذي يبدو كـ”فلكور” شعبي خاص بهذه المناسبة، التي لربما أن محافظة إب تنفرد بها عن بقية المحافظات اليمنية.
وخلال أيام الـ 14 و15 و16، ليالي قمراء، تعد استثنائية للصغار خصوصا، حيث يجري توزيع “الحلوى” و”الجعالة” و”الفشار” وبعض النقود مع وجود مسرح مفتوح يتمثل في الجمل الذي يعد هو أصل الحكاية وغاية الفرح والكوميديا.
نهار يوم النصف من شعبان تجد غالبية عظمى من سكان المدينة القديمة، تصوم هذا اليوم تقربا إلى الله واجتهادً لنيل الأجر العظيم، حيث يُعتقد أن فيه “ترفع الأعمال الصالحة إلى الله خلال العام ككل” ولذا يجتهدون في صيامه وإحياء طقوسه.
بعد عملية الإفطار من الصيام، يتم تناول وجبة العشاء بأكلات شعبية خاصة بأبناء المدينة القديمة، ومن ثم يقرأ بعضهم شيئا من القرآن، وأطفال المدينة القديمة يتجهون لبعض المنازل ويتجمعون لأخذ الحلويات والمأكولات التي جرى إعدادها في اليوم السابق، حيث تقوم تلك النسوة بعمل أكياس صغيرة، يجري توزيعها للأطفال وصغار السن، كهدايا عيدية بالمناسبة.
“جمل الشعبانية” هو الموروث الأهم داخل هذه الطقوس، وهو عبارة عن مجسم قماشي يدخل من خلاله اثنان أو ثلاثة من الشباب أو الأطفال يقومون بتحريكه وتلحين موسيقى مرافقة لهم، وبالتوازي يقوم شباب بالضرب على علب حديد بالعصي الصغيرة مرددين لحن خاص وجمل شعبية معروفة واغاني خاصة بهذه المناسبة. ويقوم الجمل بالرقص على وقع الطبول والأطفال وسكان المنازل يتجمعون حوله وهو يرقص رقصات متناغمة مع الطبول.
ويمر ذلك الجمل مصحوباً بالأهازيج والأناشيد إلى جانب البيوت وفي الأحياء ويحصل الشباب الذين يقومون بإدارته على مبالغ مالية نظير إسعاد الحضور.
الفعاليات الاحتفالية شارك فيها شبان ومسنون وفتية وخرجوا إلى أزقة المدينة العتيقة مرددين أهازيج خاصة وأناشيد دينية، ضمن عملية إحياء يعتزم أبناء المدينة أن يتوارثها الجميع كابر عن كابر.
ويعتبر الكثير من كبار السن في المدينة القديمة هذه المناسبة نوعاً من الاستقبال البهي والمبكر لرمضان وبنهكة روحانية وسعادة غامرة وابتسامات تملأ الأفق.
وفي بقية حارات مدينة إب، يجري عمل *”جمل الشعبانية”* ويجري استغلاله من قبل الفتيان وآخرين، ويتم ترديد أهازيج خاصة، والمرور على المحلات التجارية وطلب منهم مقابل مادي لما يقومون به. كما يقوم البعض بإحراق الإطارات في بعض القرى في ضواحي المدينة.
الشعبانية هي ثقافة لا يفهمها إلا أبناء وبنات مدينة إب وهي موروث قديم جدًا نشأ في مدينة إب القديمة والتي تزخر بالعديد من الموروثات والتي يتعاقبها الأجيال وتهتم في المحافظة عليها وهي مناسبة لها أثرها الخاص في نفوسنا جميعا حيث ينتظرها الصغار بلهفة في ليلة الرابع عشر من شهر شعبان من كل عام هجري.
تبدأ فعاليات هذا الموروث من مساء يوم الرابع عشر وحتى منتصف الليل وتستمر ثلاثة أيام و تتخلل هذه الرحلة مواقف طفولية رائعة وتبقى كذكريات يتوارثها هؤلاء البراعم في المراحل المتقدمة من أعمارهم، ولن أستطيع هنا إحصاء روعة هذا الموروث الجميل لذلك يكفيني فخرا بأني كنت في يوم من الأيام ذلك البرعم الصغير الذي استمتع بلحظات الشعبانية.
زر الذهاب إلى الأعلى