صوت الضالع / عين الجنوب
لم يكن تحرير حضرموت حدثًا عسكريًا عابرًا أو تحركًا أمنيًا محدود الأثر، بل محطة تاريخية فاصلة قصمت ظهر الاحتلال وأدواته، وأسقطت أوهام الهيمنة التي عاشت على الفوضى والنهب وتغذية الصراعات. لقد جاء التحرير تتويجًا لإرادة شعبية تراكمت عبر سنوات من المعاناة، ورسالة حاسمة بأن زمن العبث بثروات حضرموت وأمنها قد انتهى إلى غير رجعة.
حضرموت، بثقلها الجغرافي والاقتصادي، كانت الهدف الأبرز لكل مشاريع السيطرة غير المشروعة. فمن يهيمن عليها يظن أنه أمسك بمفاتيح المعادلة في الشرق والجنوب. غير أن المعركة أثبتت أن الأرض لا تُدار بالمرتزقة، ولا تُحكم بالوصاية، وأن الأمن الحقيقي لا يصنعه الغرباء بل أبناؤها حين تتوحد كلمتهم.
لقد مثّل الحسم في وادي حضرموت ضربة قاصمة لبؤر النفوذ التي راكمت قوتها على حساب دماء الناس ومعيشتهم. كان الوادي لسنوات طويلة مسرحًا للفوضى وتصفية الحسابات، ونافذة مفتوحة للتهريب والإرهاب، لكن لحظة التحرير أغلقت هذا الملف الأسود، وأعادت تعريف السلطة باعتبارها حماية للمجتمع لا سيفًا مسلطًا عليه.
سياسيًا، أسقط تحرير حضرموت الخطاب المزدوج الذي طالما استخدمته قوى الاحتلال لتبرير بقائها. فقد تذرعوا تارةً بمحاربة الإرهاب، وتارةً بالحفاظ على الدولة، بينما الواقع أن حضورهم لم ينتج سوى انهيار الخدمات وتفشي الفساد واستنزاف الثروة. ومع استعادة السيطرة، تهاوت تلك الذرائع، وظهر جليًا أن ما كان قائمًا هو احتلال مقنّع لا علاقة له بمصالح الناس.
اقتصاديًا، كان التحرير بمثابة قطع شرايين التمويل عن شبكات النهب. فحضرموت ليست مجرد مساحة جغرافية، بل خزان ثروة حيوية ظل لعقود يُدار من خارجها. اليوم، ومع فرض الأمن، بات الطريق ممهدًا لإدارة الموارد بشفافية، وتوجيهها نحو التنمية، وتحسين حياة المواطن الذي دفع الثمن الأغلى في زمن الفوضى.
أما أمنيًا، فقد استعاد المواطن ثقته بالدولة حين لمس حضورًا منظمًا يحميه بدل أن يبتزه. من المكلا إلى أطراف الوادي والصحراء، تغيّر المشهد: نقاط أمنية منضبطة، حركة طبيعية للأسواق، وانحسار لجرائم كانت تُعد يومًا ما “أمرًا واقعًا”. هكذا تُبنى الدول، وهكذا يُقاس النجاح بعيدًا عن الضجيج الإعلامي.
إقليميًا ودوليًا، بعث تحرير حضرموت برسالة طمأنة واضحة: أمن هذه المحافظة هو ركيزة لأمن الممرات البحرية والاستقرار في المنطقة. إن السيطرة المسؤولة على هذا العمق الاستراتيجي تسهم في تجفيف منابع التهريب والإرهاب، وتثبت أن القوى المحلية قادرة على إدارة شؤونها بكفاءة حين تتوفر الإرادة والدعم الشعبي.
ولا يمكن فصل هذا الإنجاز عن المسار الوطني الجنوبي الذي قادته إرادة سياسية منظمة، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، بوصفه حاملًا لتطلعات شعبية راسخة نحو استعادة القرار والسيادة. لقد أكد التحرير أن الجنوب لم يعد ساحة مفتوحة لتجارب الآخرين، وأن قراره أصبح بيد أبنائه.
في الخلاصة، فإن تحرير حضرموت لم يكن مجرد انتصار ميداني، بل ضربة قصمت ظهر الاحتلال بكل مسمياته وأدواته. هو إعلان ولادة مرحلة جديدة عنوانها السيادة، وسيادة القانون، وإدارة الثروة لصالح أهلها. مرحلة تقول بوضوح: من يراهن على عودة الفوضى خاسر، ومن يحاول الالتفاف على إرادة الناس متأخر، فحضرموت اليوم حرّة بقرارها، آمنة بأبنائها، وماضية بثبات نحو مستقبل يصنعه أهلها لا غيرهم.
زر الذهاب إلى الأعلى