صوت الضالع / متابعات
مليشيات الحوثي خلال حرب غزة باعتبارها العضو الأكثر تقبلاً للمخاطر في محور المقاومة الإيراني، وشكلت تهديداً واضحاً لحرية الملاحة الدولية. ونتيجة لذلك يرى خبراء ضرورة مراجعة الولايات المتحدة لخيارات الاحتواء.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 قام الحوثيون في اليمن – وليس حزب الله اللبناني – بالمحاولات الأولى في هذه الحرب لضرب البنية التحتية الحيوية الإسرائيلية بالذخائر التقليدية المتقدمة التي تزوّدها بها إيران.
وأطلق الحوثيون، منذ 27 أكتوبر، صاروخين باليستيين متوسطي المدى على الأقل على إسرائيل، وهي خطوة لم يقم بها أيّ عدو منذ قيام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بإطلاق صواريخ “سكود” على إسرائيل في عام 1991، كما هي خطوة لم تقم بها إيران نفسها حتى هذه المرحلة.
كما أطلق الحوثيون ما لا يقل عن ثماني دفعات من صواريخ “كروز” وطائرات مسيرة متفجرة بعيدة المدى على إسرائيل، ركزت على ميناء إيلات في جنوب البلاد.
وأسقط الحوثيون طائرة أميركية دون طيار من طراز “إم كيو – 9 ريبر” خلال الأزمة وتم توجيه الكثير من الصواريخ والطائرات المسيّرة على مسافة قريبة من سفن البحرية الأميركية. وقد استولت قوة حوثية من المغاوير نُقلت عبر المروحيات على إحدى سفن الحاويات، كما تعرضت مؤخراً ثلاث سفن أخرى للقصف بصواريخ الحوثيين المضادة للسفن في البحر الأحمر يومي 1 و3 ديسمبر.
ويرى محللون أن ميليشيا الحوثي في اليمن، التي أصبحت الحاكمة الفعلية للعاصمة اليمنية صنعاء ومعظم شمال اليمن منذ انقلابها على الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة قبل ثمانية أعوام، تشكلا تحديا للولايات المتحدة وخطرا على المنطقة.
ويشير هؤلاء المحللون أنه إذا تمت تقوية الحوثيين بصورة أكبر فقد يصبحون أداة جديدة يمكن لإيران وحزب الله اللبناني و”محور المقاومة” الأوسع نطاقاً استخدامها في مخططاتهم واستراتيجياتهم الرادعة.
ويتساءل مراقبون عن الأسباب التي تدفع الحوثيين إلى تحمل مثل هذه المخاطر بالنيابة عن حماس، ومحور المقاومة، وإيران.
والإجابة المختصرة هي أن الحوثيين ليسوا وكلاء لإيران ولا شركاء مصلحة في زمن الحرب. ومن الممكن جداً القول إنه لا ينبغي النظر إلى العلاقة بين الحوثيين وإيران على أنها علاقة ضرورة، بل بالأحرى تحالف قوي وعميق الجذور يرتكز على تقارب أيديولوجي وثيق وتنسيق جيوسياسي. ويمكن الاعتبار أن ظهور “حزب الله الجنوبي” في اليمن أصبح الآن واقعاً على الأرض.
ويقول مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج في تحليل نشره معهد واشنطن إنه حتى بينما تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق سلام في اليمن، فإن هذا الواقع يحتم على واشنطن وضع سياسة عملية لاحتواء القوة العسكرية والسياسية للحوثيين داخل اليمن وتقليصها بشكل مثالي.
ونظراً إلى موقع اليمن المطل على أهم الممرات البحرية الإستراتيجية في العالم، فسوف تكون البلاد ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة (وخصومها) في المستقبل، ولا ينبغي السماح بوقوع البلاد بالكامل تحت سيطرة حزب الله الجنوبي ( الحوثيين).
وانطلاقاً من رغبة واشنطن المفهومة في إنهاء الحرب في اليمن، يمكن القول إنها تجاهلت تطوراً مقلقاً في شؤون الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وتحديداً ظهور جهة فاعلة عسكرية جديدة وقوية هي حركة الحوثي في اليمن، والتي قد يُنظر إليها على أنها مشابهة لكوريا الشمالية ولكنها غير نووية، أي جهة فاعلة منعزلة وعدوانية ومسلحة تسليحاً جيداً ومعادية للولايات المتحدة واحتلالها موقعاً جغرافياً رئيسياً.
ويجب على الولايات المتحدة أن تدرك بوضوح أن السلام لن يصمد على الأرجح. فالحوثيون، أو حزب الله الجنوبي، هم قوة صاعدة توسعية ومرتابة، ولديها عداء عميق تجاه المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن إيران والحوثيين يتشاركان وجهة نظر عالمية مماثلة بشكل ملحوظ، بحيث لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.
وإذا حققت الحملة العسكرية بقيادة السعودية القائمة منذ عام 2015، والتي تشوبها عيوب كثيرة، نتيجة مشابهة لتلك التي حققتها الحرب الكورية – الأمر الذي سمح لكوريا الجنوبية بتجنب اجتياح كوريا الشمالية – فمن المنطقي إذاً أن يتم دعم المنطقة غير الحوثية، عسكرياً واقتصادياً، بقدر ما حظيت كوريا الجنوبية غير الديمقراطية في البداية بالدعم إلى أن أصبحت في النهاية مقتدرة من الناحية الدفاعية، وناجحة اقتصادياً، وأكثر ديمقراطية (بمرور الوقت).
ومن غير الضروري إعادة توحيد اليمن رسمياً، مثلما لم تتم إعادة توحيد كوريا، لكن يجب ألا يُسمح للقوى المناهضة للولايات المتحدة في الشمال بالقضاء على معارضيها في الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن.
وبالإضافة إلى عمل الولايات المتحدة على ضمان التوصل إلى اتفاق سلام عادل في اليمن، عليها أيضاً اتخاذ خطوات ملموسة لتطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة ومنع التحوّلات المزعزعة للاستقرار في ميزان القوى العسكري والتي يمكن أن تؤدي إلى استئناف الحرب.
وتنطوي الأولوية القصوى على ضمان عدم تمكّن الحوثيين من اجتياح أيّ مناطق أخرى في اليمن، وخاصة محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز وينبغي أن تضمن عمليات الوقاية والردع بمساعدة الولايات المتحدة عدم قيام الحوثيين بالهجوم مجدداً، وعدم انجرار أيّ من الجهات الفاعلة الإقليمية والولايات المتحدة إلى صراع آخر.
ميليشيا الحوثي في اليمن، التي أصبحت الحاكمة الفعلية للعاصمة صنعاء ومعظم شمال اليمن أصبحت تشكل تحديا للولايات المتحدة وخطرا على المنطقة
وكما هو الحال مع كوريا الشمالية، سيكون الردع العسكري للحوثيين واحتواؤهم مهمة دفاعية، تهدف إلى الحرص على عدم رصد الحوثيين لضعف أو فرصة معينة، وإدراكهم أنهم يواجهون احتمالاً كبيراً بالفشل والتعرض لعقاب شديد إذا هاجموا مجدداً.
وينبغي على الولايات المتحدة تقديم تحذيرات استخباراتية ودعم لوجستي وتخطيطي للفصائل غير الحوثية خلال تدريبها على النشر السريع للقوات من جبهة إلى أخرى، مما سيساهم في المرونة الدفاعية.
وأظهرت حرب غزة أن الولايات المتحدة ليس لديها جواب مفيد حول كيفية ردع الحوثيين، وهو وضع لا يمكن أن يكون مستداماً بالنسبة إلى قوة عظمى تفتخر بكونها ضامنة للممرات البحرية العالمية.
وفي الحرب الحالية، لم يتم ردع الحوثيين عسكرياً من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة عن القيام بعمليات مزعزعة للاستقرار. ولدى الحوثيين قدرة عالية على التحمل بعد عقود من الحرب، لكن يبدو أنهم حساسون تجاه أهداف معينة، وتجاه قادتهم على وجه التحديد؛ ومواقع تخزين الطائرات دون طيار والصواريخ؛ والمروحيات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة التي لا يمكن تعويضها؛ والمتخصصين والمستشارين في كل من حزب الله اللبناني وإيران؛ وأنظمة الوقود السائل وتخزينه؛ والقدرات المضادة للسفن التي بنوها، ومن بينها “السفن الأم” و”مراكب التجسس الشراعية” التي تعمل بعيداً عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد يشكّل العمل السري الطريقة الأكثر فعالية لإنجاز مثل هذه المهمات من دون التعرض للرد الانتقامي.
ومن خلال التذكير بحالة كوريا الجنوبية، فمن الضروري تعزيز المناطق اليمنية غير الخاضعة للحوثيين من الناحية الاقتصادية إذا أريد لها الصمود. وينبغي على الولايات المتحدة مساعدة اليمن غير الحوثي على إعادة تفعيل المشاريع الرئيسية مثل الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال وصادرات النفط، والتي يمكن تقاسم إنتاجها مع سكان المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إذا أظهر الحوثيون، وعندما يظهرون ذلك، فترة طويلة من عدم الاعتداء على الجهات الفاعلة الدولية. وفي غضون ذلك، على الولايات المتحدة أن تلقي بثقلها الكامل وراء الجهود الخليجية لتعزيز الطاقة والخدمات اللوجستية والتجارة في المناطق غير الخاضعة للحوثيين.
وينبغي تنفيذ حظر الأسلحة القائم الذي تفرضه الأمم المتحدة على الحوثيين، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصادرات العسكرية الإيرانية بشكل صارم.
ويعمل الحوثيون على زيادة الرشقات الصاروخية التي يطلقونها على إسرائيل لأنهم لا يخشون قطع طريق إعادة الإمداد. وقامت إيران بتهريب صاروخ باليستي متوسط المدى إلى اليمن قادر على الوصول إلى إسرائيل من اليمن على الرغم من ضعف نظام التفتيش التابع للأمم المتحدة والدوريات البحرية التي تقودها الولايات المتحدة، مما يؤكد عدم فعالية هذه الإجراءات. وينبغي على الولايات المتحدة دعم دول الخليج في سعيها إلى المنع المستمر للشحن الجوي المباشر ورحلات الركاب بين اليمن وكل من لبنان وإيران وسوريا والعراق.
وركزت حرب غزة بهدوء جهود جميع الجهات الفاعلة في منطقة البحر الأحمر – السعودية ومصر والأردن وإسرائيل – على التعاون بشكل أكبر في مواجهة الصواريخ الباليستية الحوثية، وقدرات صواريخ “كروز” والطائرات دون طيار، فضلاً عن الهجمات على السفن. فهذه أرض خصبة لإنشاء آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر.
ويجب على واشنطن أيضاً أن تعقد بهدوء اجتماعاً مغلقاً لهذه اللجنة الرباعية الأمنية للبحر الأحمر وأن تضع خططاً متوسطة المدى للتعاون الدفاعي الموجه نحو الجنوب.
وإذا كانت هناك نقطة مضيئة في الحرب الحالية في غزة، فهي الجهود الفعالة للغاية لمواجهة صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة، بقيادة الولايات المتحدة ولكن مع الاستفادة من أصول كل من السعودية وإسرائيل.
وبدلاً من إعادة تصنيف شاملة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية “بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224″، قد تعمد واشنطن إلى تقسيم التصنيف إلى حزم أصغر ضد القادة الأفراد والوكالات والشركات. وقد يعزز ذلك القدرة على ربط حملة عقوبات معينة بالأعمال السلبية الفردية، والتي يمكن أن تضفي شرعية أكبر بما أن هذه الأعمال الحوثية غالباً ما تتعرض للإدانة على نطاق واسع.
ويتمثل أحد الخيارات في تصنيف مختلف قادة الحوثي بموجب “الأمر التنفيذي رقم 13611″، وهي السلطة المستخدمة لحجز ممتلكات الأفراد الذين يهددون “السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن”، واستخدام عقوبات “قانون ماغنيتسكي العالمي” لتسليط الضوء على الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها حركة الحوثيين.