مقالات وتحليلات

خاطرة “رحلة في الخيال”..

خاطرة / خيرات طه الداية

لقاء في عالم آخر..

في خيالي صنعتُ لنا عالماً آخر صغيراً يخصنا وحدنا..

حاولتُ فيه محاكاة يد الكون الناعمة..

وقمتُ بدعوتنا إليه بخفة مثلها.

أرسلتُ لك دعوة لحضور حفل جامعي للطلاب لا تعرف فيه أحداً..

ولم يهمك أن تعرف..

لكنك قررتَ يومها الذهاب برفقة صديقك؛ لأنه وعدك أن يصطحبك بعد الحفل إلى لعبة شدة عالمية مع الشباب، فوافقتَ على مضض..

وأرسلتَ إليّ باقة أزهار تتوسطها بطاقة صغيرة صغيرة كُتب عليها بخط ناعم: “مبروك التخرج يا قدوتي”..

كنتُ قد أوصيتُ بائع الأزهار أن ينسقها لي بعناية لأصطحبها معي إلى حفل تخرج معلمتي وصديقتي التي دعتني إليه؛ لأنني أكثر طالباتها في الثانوية تفوقاً وأقربهن إلى قلبها.

في ذلك العالم الخيالي اخترعتُ زمناً جديداً أيضاً..

كان يبدو على هيئة ساعة ارتديتها في يدي لا تحمل أية عقارب، بل كانت تشير فقط إلى نهار ربيعي دافئ من عام ألفين..

بينما كان الزمن في يدك عبارة عن الساعة التي تشير إلى مساء خريفي ساحر من عام ألفين وعشرة..

اخترتُ أزمنتنا بعناية؛ فتعديل بسيط أحياناً يغير قدر الخواتيم.

في خيالي استطعتُ التحكم بكل شيء؛ الزمان، والمكان، والطقس، والموسيقى، والعطور..

بل حتى استطعتُ التحكم بأشكالنا وأفكارنا وأرواحنا..

في ذلك العالم شاهدتُ نفسي وقد بدوتُ غصناً ندياً..

لم يكن غبار الحرب قد سَبَّب له الذبول أو الانكسار بعد..

ولم تكن تشوهات الخيارات التائهة قد عبثت بنضارته وامتصت رحيقه..

كنتُ أبدو هناك زهرة برية لم يدنسها العابرون بعد..

وشاهدتُك مبتسماً مشرقاً قبل أن تعتم جدران قلبك قذائف الموت..

وقبل أن تعبث بجسدك وروحك سنوات الحرب الخادعة، وتبني فيه أعشاش الهمّ والخذلان..

في الحفل الذي صنعتُه في خيالي، سمحتُ لنا بأن نلتقي صدفة، على طريقة المسلسلات التركية ربما أو الأفلام الهندية..

واستمتعتُ بمشاهدة الحوار الذي جرى بيننا، على شكل كلمات ونظرات وابتسامات..

ابتسامات جميلة جداً كانت في خيالي، إذ لم يكن فيها أي ملامح لأشباح الماضي التي تزاحم ابتساماتنا وكلماتنا اليوم.

في عالمي الخيالي يوم واحد فقط كان أكثر من سبب لجعله كافياً بالنسبة لنا، لنعيشه كاملاً حتى النخاع، ونضبط إيقاع رقصاتنا فيه مع تواريخ ساعاتنا السحرية، فيتحول إلى أبدية مصغرة.

في ذلك العالم الخيالي الجميل كنا روحاً واحدة في جسدين..

وفي هذا العالم أيضاً ربما هي ذات الروح، ولكنها روح مهشمة، مشوهة، تجر أذيال الخيبة وراءها، وتنظر إلى جسدينا الغريبين عنها من بعيد..

تمسح دموعها عن خدها المليء بندبات الحرب..

وتقول..

لم يعد لي من متسع على هذه الأرض..

ولكني سأبقى بانتظاركما على الضفة الأخرى لعالمك الخيالي الجميل

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى