كتب :حسين احمد الكلدي
من منا لا يحب الاستمتاع بالحياة ومن لا يحب عمله بشغف؟ ولكن كل واحد منا يعبر عن هذا الشعور الجميل حسب تصوره وإحساسه بالحالة التي يعيشها. فهناك من يرى أن السعادة في العمل هي أسمى اللحظات التي يعيشها، ويقضي جل وقته في العمل وينسى نفسه وواجباته في الحياة. وأنا من الأشخاص الذين يشعرون بالشغف تجاه عملهم، وبقدر ما أحب عملي، لا أنسى مهامي وواجباتي تجاه أسرتي، رغم سفرياتي المتكررة بالطائرة إلى البلدان التي أعمل فيها، سواء كانت في شرق آسيا أو أوروبا. فأنا أشعر بالمتعة نفسها في كل رحلة، سواء كانت عبر القطارات أو الطائرات. أعيش حالة خاصة من النشوة والحيوية والنشاط المذهل، وأعتقد أني متفائل من الطراز الأول. لا أتوقع من الحياة سوى أفضل ما فيها، لكن من الواجب أن نكون مستعدين للأسوأ دائماً. وبما أنني من محبي السفر وتكوين الصداقات العابرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال العمل أو الإجازات، فإنني أحب اكتشاف ثقافات البلدان المختلفة وما تتمتع به من حضارات عريقة وعادات وتقاليد جميلة. هذه الأمور تبهرني، سواء عند معرفتها من خلال قراءة الكتب أو السفر إليها، وما يميزها من إنتاج وفير وجودة عالية، أو من المأكولات الشهية التي تتمتع بخصوصيتها.
وهناك نقطة هامة دائماً ما تكون حاضرة في ذهني طوال الوقت، أتمنى من الله أن يساعدني ويلهمني نطقها في اللحظة المناسبة. في لحظة فارقة من عمري، كانت نقطة تحول في حياتي، تلقيت خبراً هز كياني عندما علمت أن وضع والدتي الصحي قد لا يسمح لها بالاستمرار في الحياة. عدت مسرعاً من الصين إلى جدة، ثم عبرت البر إلى منفذ الوديعة باتجاه عدن. كانت تلك اللحظة صعبة للغاية، عندما رأيتها شعرت بأنها اللحظة الأخيرة التي أراها فيها. دارت في مخيلتي أفكار كثيرة وغمرني إحساس غريب، جعلني أتساءل: ماذا لو حانت تلك اللحظة الفاصلة في الحياة وشعرت بأن قدرك قد اقترب وعودة الروح إلى الله؟ ماذا تريد أن تقول؟ وماذا تريد أن تفعل؟
وعن ماذا تندم لأنك لم تفعله؟
بوجه عام، لا يندم الإنسان على أنه لم يجمع المزيد من المال أو الأراضي، ولا يندم على عدم السفر إلى البلدان البعيدة التي كان يحلم بزيارتها. ولا يندم على عدم توديع الأصدقاء أو الجلوس معهم في اللحظات الأخيرة المتبقية له في الحياة. لكن أصعب تلك الدقائق هي عندما تتمنى لو أتيح لك الوقت لتلتقي بمن حرمت نفسك من رؤيتهم لفترة طويلة، سواء كانوا والدتك أو والدك أو أحبائك، وتدرك أنك لم تمنحهم الوقت الكافي للحديث معهم. تشعر بالندم لأنك لم تعبر عن حبك لهم وسعادتك بوجودهم في حياتك. كما تشعر بالأسف على اللحظات التي لم تمنح فيها أبناءك وزوجتك القدر الكافي من الحب والمشاعر العميقة التي في قلبك تجاههم. وتتمنى لو كان بإمكانك أن تخبرهم جميعاً من أعماق قلبك: “أحبكم”.
كما ترغب في رؤية أشقائك وشقيقاتك وأبنائهم الذين لم ترهم منذ فترة طويلة، وتتمنى أن تجمعهم في تلك اللحظة لتقول لهم: “أحبكم جميعاً”. وتطلب منهم السماح والمعذرة لانشغالك الدائم في الحياة. ولكن هذه اللحظة تأتي بغتة، ولا أحد منا يدركها، فقد جعلها الله في علم الغيب كجزء من أسرار الحياة. وقد ترك لنا الفرصة طوال رحلتنا في الحياة لنتزود من الخير والإحسان، ونأخذ نصيبنا بالقسط من الجد والاجتهاد وما نستطيع الحصول عليه من الاستمتاع. كما ترك لنا المجال للعطاء في الحب لمن يحبوننا، ونحن كثيراً ما لم نكترث لذلك ولم نمنحهم ما يكفي من الاهتمام والرعاية. كان من الواجب علينا أن نعطي من نحب وقتاً كافياً حتى لا نندم في اللحظة الأخيرة، ونستمر في التحجج بأننا مشغولون طوال الوقت. هذا طبع البشر، فلا تكن واحداً من هؤلاء الذين يشعرون بالخسارة في النهاية.
15 نوفمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى