مقالات وتحليلات

أزمة إدارة قبل ان تكون أزمة موارد .. كهرباء عدن كنموذج لفشل

بمشهد الظلام استقبلت العاصمة عدن بداية العام الميلادي الجديد 2025م على عكس المشهد في مدن العالم التي تستقبل العام الميلادي الجديد بتوهج أضواء الزينة والألعاب النارية ، في تناقض مؤلم يعكس الازمة المستمرة التي تعاني منها المناطق المحررة في ملف الكهرباء.
 
أزمة تعاقبت عليها حكومات الشرعية منذ 2015م وتعاقبت معها الوعود بحل ملف الكهرباء وخاصة بالعاصمة عدن ، التي تعود ابناءها في شتاء كل عام التبشير بان يكون “الصيف القادم بارداً” ، الا أن انهيار الكهرباء الحاصل حالياً وفي ذروة فصل الشتاء يُنبئ بحجم الكارثة بالصيف القادم.
 
فمع توقف أغلب محطات التوليد ، تقاوم خدمة الكهرباء بالعاصمة عدن حالياً بمحطة توليد واحدة تعمل بوقود المازوت وبقوة توليد 40ميجاوات فقط ، يضاف لها نهاراً ما بين 60-90ميجاوات توليد من محطة الطاقة الشمسية، في حين ان الطلب على الخدمة يتراوح ما بين 400-300ميجاوات.
 
ورغم ان المبرر للعجز الحكومي في توفير الوقود ، متوفر في الأزمة المالية التي تعاني منها جراء توقف تصدير النفط منذ هجمات مليشيا الحوثي على موانئ التصدير قبل نحو عامين ،وتأخر وصول الدعم السعودي حتى اللحظة بعد 5 أيام من الإعلان عنه ، الا أن الأزمة تتجاوز مجرد العجز المالي.
 
فتوقف محطات التوليد العاملة بوقود الديزل والمازوت يمكن تبريره بالعجز المالي للحكومة في توفير قيمة الوقود ، خاصة مع التكلفة الكبيرة لهذا الوقود وخاصة الديزل ، الا أن توقف محطة بترومسيلة منذ نحو شهرين عن العمل يبزر هنا كشاهد على الفشل في الإدارة ، وهي سمة طاغية في أداء الشرعية منذ فترة هادي ولا تزال مستمرة مع مجلس القيادة الرئاسي.
 
المحطة التي تعد الأكبر في عدن والمناطق المحررة – باستثناء محطة مأرب الغازية – بقوة توليد 264ميجاوات لا تزال الحكومة عاجزة عن تشغيلها بكامل قوتها حتى اليوم بعد أكثر من 4 سنوات على انتهاء العمل وبعد أكثر من عامين على انتهاء مشروع تصريف الطاقة الذي كان يُمثل العقبة الوحيدة امام تشغيلها.
 
وتعمل المحطة التي انشأتها شركة الكتريك الأمريكية وهي واحدة من اهم شركات الطاقة العالمية ، وبمواصفات عالية ، حيث يمكنها العمل بأكثر من 40نوعاً من الوقود ، من بينها النفط الخام ، وهنا يبرز الفشل الحكومي الصارخ في توفير الوقود للمحطة من حقول الإنتاج في شبوة ومأرب وحضرموت.
 
حيث ظلت الحكومة عاجزة عن توفير كمية الوقود المطلوب من النفط الخام لتشغيلها بكامل قوتها ، وظلت المحطة تعمل بشكل جزئي خلال العامين الماضين وبتوليد لا يتجاوز 90ميجاوات ، بسبب كميات الوقود البسيطة التي تصل للمحطة من حقول الإنتاج.
 
وعلى الرغم من كمية الوقود المطلوبة من النفط الخام للمحطة لتعمل بكامل قوتها يمكن اعتبرها كبيرة نوعاً ما وهي 10الالاف برميل يومياً، الا ان ذلك يضل حلاً متوفراً مقارنة بفاتورة شراء وقود الديزل والمازوت.
 
كما أن خزنات النفط في ميناء الضبة تمتلئ بأكثر من 3 ملايين برميل منذ توقف تصدير النفط ، ويمكن استغلالها في تشغيل محطة بترومسيلة لنحو 10 أشهر ، بتكلفة زهيدة وهي نقله براً بالناقلات في ظل صعوبة شحنه بحراً جراء تضرر عوامة التصدير في الميناء منذ هجمات المليشيا.
 
الا أن ما يقف عائقاً امام هذه الأمر هو فشل الحكومة ومن خلفها مجلس القيادة الرئاسي في التوصل لاتفاق يرضي أبناء حضرموت وسلطتها المحلية، التي كانت قد أبدت موافقة مبدئية وسهلت ضخ كميات من النفط من خزانات الضبة مقابل التزام الحكومة بتوفير وقود الديزل والمازوت لكهرباء المحافظة ، وهو ما أخلت به الحكومة ليتوقف الأمر.
 
موافقة السلطة المحلية جاءت على الرغم من ان المطالب التي يرفعها حلف قبائل حضرموت تصر على ان تذهب عائدات بيع الكمية الموجودة في خزانات الضبة بكاملها لصالح تحسين الكهرباء بالمحافظة وليس القبول بحصة المحافظة الـ 25% فقط، فوضع الكهرباء هناك ليس بأفضل حال منه في عدن.
 
فبحسب تقرير لمدير عام المؤسسة العامة للكهرباء مناطق ساحل حضرموت، المهندس مازن بن مخاشن قدمه في اجتماع للمكتب التنفيذي بحضرموت عُقد اليوم الخميس لمناقشة وضع الكهرباء بالمحافظة ، فقد بلغ العجز خلال الصيف الماضي 175 ميجاوات لمنطقة ساحل حضرموت فقط.
 
وبحسب بن مخاشن فإن اجمالي التوليد المتوفر حاليا لمنطقة ساحل حضرموت لمحطات وقود المازوت 126 ميجاوات ، والطاقة المتوفر لمحطات وقود الديزل 88 ميجاوات ، وإجمالي الطاقة المتوفرة حاليا 214 ميجاوات ، في حين أن الطاقة المطلوب توفيرها لهذا العام 418 ميجاوات.
 
اللافت في حديث الرجل، الإشارة الى اجمالي الوقود اليومي المطلوب للطاقة المتوفرة حاليا في مادة المازوت وهي 106400 لتر، وفي وقود الديزل بلغ 580800 لترا ، وهي ارقام تبدو أقل بنحو نصف عما تحتاج اليه العاصمة عدن لتوليد ذات الطاقة.
 
ما يعني ان الحكومة في حالة المضي بالاتفاق السابق مع السلطة المحلية ، يمكن لها بنصف تكلفة وقود عدن ، ان تؤمن لها وقود يكفي لتشغيل محطة بترومسيلة بكامل قوتها 264 ميجاوات وبذات الوقت تؤمن الوقود الذي تحتاجه محطات التوليد في حضرموت. 
 
فضلا عن الضربة التي ستوجهها الحكومة للمليشيا الحوثي الطامعة في نفط حضرموت بان تستغله في توليد كهرباء عدن ، الا أذا كان الفشل الظاهر حالياً مقصوداً للحفاظ على النفط بخزانات الضبة بحضرموت الى حين تقاسمه مع المليشيا كما تنص عليه خارطة الطريق.
 
ما سبق ، ليس الا مجرد نموذج مصغر يعكس الفشل الإداري والاقتصادي ومعه الفشل السياسي في إدارة حكومات الشرعية ورأس الشرعية ذاتها للأمور في المناطق المحررة ، جراء غياب رؤية واضحة تجسد إرادة حقيقة في هزيمة الحوثي عبر تطبيع الوضع بالمناطق المحررة.

عمار علي أحمد

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى