كتب : أصيل هاشم
لم يعد صوت الجنوب العربي هامسًا أو محصورًا في نطاق محلي يمكن تجاهله أو الالتفاف عليه. ما يشهده العالم اليوم، من عدن إلى نيويورك، هو تعبير واضح وصريح عن إرادة شعب قرر أن يقول كلمته الأخيرة دون وصاية أو مساومة. لم تعد القضية الجنوبية مطلبًا مؤجلًا في أدراج السياسة، بل تحولت إلى حقيقة قائمة تفرض نفسها على الطاولة الدولية بقوة الإجماع الشعبي والسلوك السلمي المنظم.
ما يحدث في الساحات الجنوبية، وما يتكرر في عواصم العالم، ليس حراكًا عاطفيًا ولا موجة موسمية عابرة، بل تعبير عن وعي جمعي ناضج يدرك أن كل التسويات التي فُرضت من الخارج فشلت لأنها تجاهلت جوهر الصراع. تجاهلت الحق الأصيل لشعب الجنوب في دولته، فكانت النتيجة مزيدًا من الانقسام، ومزيدًا من العنف، ومزيدًا من الفشل السياسي.
محاولات تشويه مطلب استعادة دولة الجنوب العربي، ووصمه بالانفصال، ليست سوى امتداد لخطاب قديم اعتاد القفز على الحقائق. الجنوب كان دولة معترفًا بها دوليًا، ودخل وحدة شراكة سياسية فشلت وتحولت إلى إقصاء ونهب وتهميش وعنف منظم. ووفقًا لكل القوانين والأعراف الدولية، فإن فشل الشراكة يعيد الحق لأصحابه دون مواربة أو تزييف.
اليوم، يتحدث الجنوب بلغة يفهمها العالم. لغة الإرادة الشعبية الحرة، ولغة الحراك السلمي المسؤول، ولغة الربط الواضح بين العدالة والاستقرار. من يعتقد أن تجاوز هذه الإرادة يمكن أن ينتج سلامًا واهم، لأن غياب العدالة هو السبب الحقيقي لاستمرار الصراع، وليس العكس.
أمن البحر الأحمر وخليج عدن لم يعد ملفًا نظريًا أو ورقة ضغط سياسية، بل حقيقة استراتيجية يدركها الجميع. دولة جنوبية مستقرة وقوية تعني ممرات مائية آمنة، وتعني شريكًا جادًا في مكافحة الإرهاب، وتعني عامل توازن في منطقة مضطربة. لذلك فإن استعادة دولة الجنوب ليست تهديدًا للأمن الإقليمي أو الدولي، بل ركيزة أساسية لحمايته.
الحشود التي تخرج في عدن وبقية محافظات الجنوب، والتفاعل الواسع للجاليات الجنوبية في المهجر، من نيويورك إلى لندن وبرلين، تكشف بوضوح أن القضية لم تعد محصورة بجغرافيا معينة، بل أصبحت قضية شعب كامل يحملها أينما كان. هذا الامتداد الشعبي هو الدليل الأقوى على شرعية المطلب وعمقه.
المجلس الانتقالي الجنوبي يتحدث اليوم بتفويض شعبي واضح، والقوات المسلحة الجنوبية أثبتت أنها ليست أداة صراع، بل قوة استقرار وأمن، واجهت الإرهاب وحمت الأرض وقدمت تضحيات يشهد لها الداخل والخارج. هذا الواقع الميداني والسياسي لا يمكن شطبه ببيانات إنشائية أو خطابات إنكار.
الرسالة إلى المجتمع الدولي باتت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. تجاهل إرادة شعب الجنوب يعني إعادة تدوير الأزمة وتأجيل انفجار قادم، أما الاستماع لها والتعامل معها بجدية فهو استثمار حقيقي في سلام مستدام. الجنوب لا يخلق مشكلة جديدة، بل يطرح حلًا جذريًا لأزمة طال أمدها.
شعب الجنوب اليوم لا يطلب من العالم تعاطفًا عاطفيًا، ولا صدقة سياسية، بل يطالب بحقه القانوني والإنساني في تقرير مصيره واستعادة دولته. يطالب بالعدالة التي طال انتظارها، وبالاعتراف بحقيقة لم يعد من الممكن تجاهلها.
حين يتكلم شعب بأكمله بلغة واحدة، وحين تمتد قضيته من الساحات المحلية إلى المنابر الدولية، فإن تجاهله لم يعد خيارًا واقعيًا. الجنوب العربي اليوم حقيقة سياسية قائمة، وإرادته الشعبية أصبحت معادلة لا يمكن القفز فوقها مهما طال الإنكار.
زر الذهاب إلى الأعلى