تقرير / غازي العلوي :
الجنوب في الساحات… حتى إعلان الدولة
لماذا تحولت الاعتصامات من فعل احتجاجي إلى عنوان لمرحلة سياسية جديدة؟
كيف أعادت الساحات الجنوبية صياغة معادلة القوة في المشهد السياسي؟
هل تمثل الاعتصامات المفتوحة تفويضًا شعبيًا جديدًا لقيادة الجنوب؟
أليس التمدد الشعبي الواسع مؤشرًا على لحظة حسم سياسي في الجنوب؟
ماذا تعني استمرارية الاعتصام في حسابات القرار الإقليمي والدولي؟
هل دخلت القضية الجنوبية مرحلة يصعب تجاوزها سياسيًا؟
إلى أين يتجه المشهد الجنوبي في ظل هذا الزخم الشعبي؟
إرادة شعب لا تُكسر
الأمناء / غازي العلوي :
تشهد محافظات الجنوب العربي في هذه المرحلة حراكًا شعبيًا غير مسبوق في امتداده الجغرافي وعمقه السياسي، يتمثل في مواصلة الاعتصامات المفتوحة التي دعا إليها المجلس الانتقالي الجنوبي عبر قياداته السياسية ، تعبيرًا عن إرادة شعبية واضحة تطالب باستعادة دولة الجنوب العربي على حدود ما قبل عام 1990م.
ويأتي هذا الحراك في توقيت بالغ الحساسية، متزامنًا مع الانتصارات العسكرية النوعية التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية ضمن عملية «المستقبل الواعد» لتحرير وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة، وانطلاق “عملية الحسم” لاستكمال مراحل عملية سهام الشرق في محافظة أبين، في إطار جهود قواتنا المسلحة الجنوبية المتواصلة لاجتثاث الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار ، ما منح هذه الاعتصامات بعدًا وطنيًا واستراتيجيًا يتجاوز الطابع الاحتجاجي التقليدي.
التفاف شعبي يعزز الحضور السياسي للقضية الجنوبية
منذ انطلاقها، اتخذت الاعتصامات طابعًا مفتوحًا يعكس إصرار الشارع الجنوبي على البقاء في حالة فعل سياسي مستمر، لا يكتفي بإيصال الرسائل الرمزية، بل يسعى إلى فرض حضور شعبي دائم في المشهد العام. وقد امتدت هذه الاعتصامات من العاصمة عدن إلى مختلف عواصم المحافظات، ثم إلى المديريات والمناطق، في دلالة واضحة على أن القضية الجنوبية تعيش حالة إجماع شعبي واسع، وأن المطالبة باستعادة الدولة لم تعد محصورة في إطار النخب السياسية أو القيادات التنظيمية، بل أصبحت خيارًا جماهيريًا عامًا.
ويكشف هذا الامتداد الجغرافي عن مستوى متقدم من التنظيم والتفاعل بين القيادة والقاعدة الشعبية، حيث لعبت القيادات المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي دورًا محوريًا في إدارة الساحات وتنظيم الفعاليات وضمان سلميتها، بما يعكس نضج التجربة السياسية الجنوبية وقدرتها على إدارة الحراك الشعبي بصورة حضارية ومسؤولة. كما يؤكد هذا المشهد أن الجنوب بات يمتلك بنية سياسية وشعبية قادرة على التعبير عن مطالبها بوضوح، وعلى الاستمرار في الضغط السلمي لتحقيق أهدافها الوطنية.
الشارع الجنوبي يجدد التفويض
وفي جوهرها، تعكس الاعتصامات المفتوحة حالة التفاف شعبي غير مسبوقة حول المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه الحامل السياسي لقضية الجنوب، وتجديدًا عمليًا للتفويض الشعبي الذي يحمله منذ تأسيسه. وقد تجلى هذا التفويض بوضوح في الهتافات والشعارات التي ارتفعت في الساحات، مطالبة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي باتخاذ خطوات تاريخية تتوج مسار النضال الجنوبي بإعلان دولة الجنوب العربي. ويعكس هذا المطلب تطورًا نوعيًا في الخطاب الشعبي، حيث انتقل من مرحلة التأكيد على الحقوق إلى مرحلة المطالبة بترجمتها إلى واقع سياسي معلن.
وتحمل هذه الاعتصامات دلالات سياسية عميقة تتصل بطبيعة المرحلة التي يمر بها الجنوب. فهي تعكس قناعة شعبية متزايدة بأن التضحيات التي قُدمت خلال السنوات الماضية، والانتصارات العسكرية التي تحققت مؤخرًا، تفرض استحقاقات سياسية لا يمكن تأجيلها. كما تعكس إدراكًا واسعًا بأن اللحظة الراهنة تمثل تقاطعًا نادرًا بين الإرادة الشعبية والقدرة العسكرية والظروف السياسية الإقليمية والدولية، ما يجعل من المطالبة بإعلان الدولة خطوة منسجمة مع معطيات الواقع، وليست مجرد طموح عاطفي.
تكامل بين الفعل العسكري والفعل الشعبي
ويبرز في هذا السياق التكامل الواضح بين الفعل العسكري والفعل الشعبي، حيث جاءت الاعتصامات احتفاءً بالنجاحات الميدانية التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية، وفي الوقت ذاته تعبيرًا عن الدعم الشعبي المطلق لها. وقد رأت الجماهير في هذه الانتصارات دليلًا عمليًا على قدرة الجنوب على حماية أرضه وتأمين حدوده، وعلى امتلاكه لمؤسسات عسكرية قادرة على القيام بدورها الوطني. وهو ما عزز القناعة بأن المشروع السياسي الجنوبي بات يستند إلى قوة واقعية، وليس فقط إلى مشروعية تاريخية أو شعبية.
اعتصامات سلمية تعكس إجماعًا سياسيًا في الجنوب
وتكتسب الاعتصامات أهمية مضاعفة لكونها جاءت في مرحلة مفصلية شهدت تحولات لافتة في مواقف العديد من القيادات والمسؤولين والشخصيات الاجتماعية والقبلية، الذين أعلنوا انضمامهم إلى صفوف المعتصمين، ورفعوا الصوت بالمطالبة الصريحة بإعلان دولة الجنوب. وتعكس هذه الانضمامات اتساع دائرة الإجماع الوطني حول خيار الدولة، وانتقاله من مستوى التأييد الضمني أو الصامت إلى مستوى الإعلان العلني والواضح، بما يعزز من قوة الموقف الجنوبي داخليًا وخارجيًا.
كما تكشف هذه التطورات عن تراجع مساحات التردد أو الحياد في الشارع الجنوبي، مقابل تصاعد خطاب وطني جامع يتمحور حول هدف واحد يتمثل في استعادة الدولة. ويعكس ذلك حالة نضج سياسي واجتماعي، حيث باتت شرائح واسعة من المجتمع الجنوبي ترى أن وحدة الصف تمثل الشرط الأساسي لعبور هذه المرحلة، وأن الخلافات الثانوية لا مكان لها في لحظة تاريخية تتطلب أقصى درجات التماسك.
رسائل سياسية موجهة إلى الإقليم والعالم
ومن زاوية أوسع، يمكن النظر إلى الاعتصامات المفتوحة بوصفها رسالة سياسية موجهة إلى الإقليم والعالم، مفادها أن قضية الجنوب ليست ملفًا مؤجلًا أو قابلًا للتجاوز، بل قضية شعب يمتلك إرادة واضحة، وقيادة سياسية ممثلة، وقوة عسكرية تحمي خياراته. كما تعكس هذه الرسالة أن الجنوب يسعى إلى تحقيق أهدافه عبر مسار منظم يجمع بين النضال السلمي والعمل السياسي، في إطار يحترم متطلبات الاستقرار الإقليمي، ويطرح نفسه كشريك مسؤول في أي ترتيبات مستقبلية.
الجنوب يقترب من لحظة الإعلان
وفي المحصلة، تمثل الاعتصامات المفتوحة في محافظات الجنوب تعبيرًا متقدمًا عن لحظة تحول تاريخية، تتقاطع فيها الإرادة الشعبية مع معطيات القوة والواقع السياسي. وهي تؤكد أن الجنوب يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من نضاله الوطني، مرحلة لم يعد فيها الشارع يكتفي بالمطالبة، بل يسعى إلى فرض استحقاقاته السياسية بثبات ووعي. ويبعث هذا الحراك برسالة مفادها أن شعب الجنوب، بقيادته السياسية ممثلة بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، ماضٍ بثقة نحو استعادة دولته، مستندًا إلى وحدة صفه، وتراكم تضحياته، وإيمانه الراسخ بعدالة قضيته الوطنية.
زر الذهاب إلى الأعلى