تقـــارير

تحليل| المجلس الانتقالي الجنوبي: اختبار تاريخي في لحظة فارقة

تحليل| المجلس الانتقالي الجنوبي: اختبار تاريخي في لحظة فارقة

صوت الضالع / عين الجنوب

تمر الأزمة اليمنية بمنعطف أحس به الجميع في ما يتعلق بعدم فاعلية مجلس القيادة الرئاسي، حيث يجد الشعب خاصة شعب الجنوب أمام تحديات غير مسبوقة في إدارة معادلة السلطة، بين الضغوط الخارجية، والمصالح الإقليمية، والانقسامات الداخلية التي تعيق أي تحرك موحد نحو تحقيق الحد الأدنى من الأهداف. وبينما يترقب الجميع ما ستؤول إليه الترتيبات السياسية في المنطقة، وصل الحال بالشعب الى الحضيض والوقت قد بدأ ينفد فعلياً.

على أرض الواقع، الجميع يعرف سواء في الداخل او الخارج جنوباً وشمالاً شرقاً وغرباً أن مجلس القيادة الرئاسي يعاني من اختلالات جوهرية جعلت منه كياناً غير قادر على العمل كسلطة تمثل مصالح الشعب. الانقسام الواضح بين أعضائه، والرؤى المتناقضة، وغياب البعض عن العاصمة عدن، واللجوء إلى الاجتماعات الافتراضية كبديل عن النقاشات المباشرة، كلها مؤشرات على أن مجلس القيادة في وضع الطيران، مما جعله يصبح غير قادر على البقاء كجسم سياسي فاعل في ظل استمرار القوى الداعمة في إدارة الأزمة لا حلها. وفي ظل هذا التراجع، يبقى المجلس الانتقالي الجنوبي الفاعل الأقوى داخل مجلس القيادة شعبياً وعسكرياً، وهذا يستوجب اتخاذ قرارات استراتيجية تحول دون وقوع الشعب في حالة فراغ سياسي قد يستغلها الآخرون لفرض أجنداتهم. فالصراع داخل المجلس الرئاسي هو صراع من أجل انتشال الشعب من معاناته، وفي ذاته أصبح اختبار حقيقي للقيادة الجنوبية لمعرفة مدى قدرتها على فرض رؤيتها كجهه مسؤولة عن شعب طحنته عشر سنوات من الوعود والترقيعات والإنتظار. فبينما تحاول بعض القوى الإقليمية والدولية خاصة المملكة العربية الشقيقة التي كان أملنا فيها كبير لإنصاف الشعوب عبر تمكين عادل حاولت إعادة ترتيب المشهد بما يتناسب مع مصالحها، لكن حتماً تظل القوة الحقيقية لأي مشروع وطني قائمة على مدى ارتباطه بالناس على الأرض. والمجلس الانتقالي، الذي يمثل شعب بأكمله في أعلى هرم السلطة، يجد نفسه الآن أمام اختبار تاريخي، فبعد أن كنا نطالب بدولة مستقلة أضحى الشعب يطالب بقوت يومه، نتيجة ضغوط خارجية. ومع ذلك يتساءل الجميع هل ستتمكن القيادة الجنوبية في الحكومة من تحويل نفوذها السياسي إلى خطوات عملية تضع الجنوب في موقع أكثر استقلالية، أم ستظل مقيدة بتوازنات لا تحقق الحد الأدنى من إحتياجات الشعب.

منذ تشكيل مجلس القيادة، كان الرهان على أن الجنوب سيحصل على تمثيل قوي داخل الكيان الجديد، لكن مع مرور الوقت، بدأت تتكشف طبيعة الحسابات الإقليمية التي جعلت المجلس الرئاسي مجرد منصة لتجميد الصراع بدلاً من معالجته. فلا الحكومة استطاعت تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية تخفف معاناة المواطنين، ولا المجلس الرئاسي استطاع أن يعمل كفريق لمواجهة التحديات المتزايدة، ولا التحالف العربي أظهر دعماً كافياً لتسريع عملية البناء وإعادة ترتيب الأوضاع لا نقول بما يخدم فقط الجنوبيين بل حتى المنطقة بأكملها.

وقد بات من الواضح أن الشعب نتيجة إستمرار هذا الجمود يواجه تحديين رئيسيين الأول داخلي، يتمثل في ضرورة ترتيب البيت الجنوبي وتقوية مؤسسات الحكم الذاتي، والثاني خارجي، يتمثل في كيفية التعامل مع التغييرات الإقليمية والدولية. التحدي الأول رأينا أن هناك بداية مبشرة مثلها الرئيس القائد عيدروس الزبيدي من خلال العمل على تعزيز التواجد في الميدان، عبر بناء مؤسسات مدنية قوية توفر الخدمات وتحافظ على الاستقرار. أما التحدي الثاني الذي لا يزال غامضاً، ويتطلب استراتيجية سياسية واضحة تضمن للجنوب دور حقيقي في أي ترتيبات مستقبلية، فالتنازلات المفرطة للضغوط لن تزيد الوضع الا سوءاً والعشر سنوات المنقضية خير شاهد.

لذا لا بد من تعزيز الحضور السياسي داخل مجلس القيادة الرئاسي، وعدم السماح بتحويل معاناة الشعب الحالية وقضيته إلى مجرد ورقة تفاوضية يتم استخدامها حسب الحاجة من قبل أي طرف. وقد تم تجربه تقديم تنازلات والتي أضحت من نتائجها المباشرة هذا الوضع الكارثي، وهذا يتطلب عدم الاكتفاء بلعب دور المتفرج في ظل التغيرات المتسارعة. بل لابد من الإستمرار في العمل الجاد على تحقيق إنجازات اقتصادية، ولو بشكل جزئي، لتخفيف معاناة الشعب. فالمواطنون باتوا أكثر إحباطاّ من الوضع الحالي، والرهان على صبرهم لم يعد مضموناً، لذلك فإن أي تحرك جاد نحو تحسين الخدمات وإعادة تشغيل المرافق الحيوية مثل الموانئ والمصافي سيشكل نقطة تحول تعزز الموقف التفاوضي للقيادة الجنوبية. كما لا بد من إعادة بناء التحالفات على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب أولاً. والتحرك الدبلوماسي على المستوى الدولي لا نقول لإبراز القضية الجنوبية ولكن لإيصال معاناة الشعب في ظل الحسابات التي أوصلته الى هذا الحال، من اجل لا شي سوى مصالح خارجية هددت التماسك الداخلي مما قد ينذر بإنقسامات قد تضعف الموقف الجنوبي. فالتجربة أثبتت أن أي صراعات داخلية لا تخدم سوى القوى التي تحاول إضعاف الجنوب وإبقائه في حالة من الجمود والفراغ السياسي.

اليوم، المجال لأخذ زمام المبادرة لا يزال في يد القيادة الجنوبية ويحق لها ان تأخذه فهناك شعب يئن، وإن كان لابد من بقاء بعض الشخصيات وفقاً للمصالح الخارجية والتي على الرغم من عدم تقبلها شعبياً فعلى أقل تقدير يتم التعامل معها كما تعاملت أنظمة صنعاء المختلفة مع الجنوبيين، من خلال تواجد وتمثيل شكلي فقط. فالانتظار والترقب عبر وضعية المتفرج قد يؤدي إلى خسارة الفرصة في تشكيل مستقبل الشعب المطحون منذ عشر سنوات كاملة شمالاً وجنوباً والذي كشف عن واقعية أنه لم يعد هناك مجال للرهانات غير المضمونة، والذي حتماً جعل الشعب نفسه إن لم يكن القيادة مضطر للتعامل مع خيارات أقل مما كان يطمح إليها. والوضع الحالي دليل صارخ على ماهية الحسابات الجائرة التي لم تسمن ولم تغني من جوع والدليل الآخر هو أن تحركات الرئيس القائد الزبيدي الذي بعثت الأمل في الشعب لم تنل منظومة الرئاسي الذي وُضع فقط لإدارة الأزمة بدلاً من حلها.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى