مقالات وتحليلات

شيخ شهدا الجنوب: أسطورة المقاومة الخالدة في ذكراه العاشرة

شيخ شهدا الجنوب: أسطورة المقاومة الخالدة في ذكراه العاشرة

كتب : فؤاد قائد جُباري 

    في الذكرى العاشرة لاستشهاد القائد الجنوبي الكبير، اللواء علي ناصر هادي، تفيض الذاكرة ببطولات لا تشيخ، ومواقف ترتقي إلى مصاف الملاحم، وقامة وطنية وعسكرية يصعب أن يجود الزمان بمثلها مجددًا… إنه القائد الذي لم تهزمه السنون، ولم توهن عزيمته الرتبة، ولم تغره المناصب أو تجذبه مقاعد النجاة، بل اختار المجد الأبقى، وارتقى شهيدًا في ميادين الشرف دفاعًا عن الأرض والعرض والكرامة.

   حين سقطت مدن، وتهاوت قلاع، وهرب بعض من ظنناهم صناع قرار، ثبت الشهيد القائد اللواء علي ناصر هادي في عدن كما يثبت جبل شمسان في وجه الرياح والأمواج… قائد المنطقة العسكرية الرابعة آنذاك، صاحب الرتبة الرفيعة والمكانة الرفيعة، أبى إلا أن يكون أول المقاتلين وآخر المنسحبين؛ لم يغادر كما غادر آخرون، بل بقي، يحمي العاصمة عدن، يواسي المقاتلين، يشد أزرهم، ويشاركهم الخندق والبندقية.

    في حُجيف، ذلك الموقع الذي خط على ترابه ملاحم أسطورية، ترجل القائد شامخًا، صوب بندقيته نحو العدو، وقاد المعركة بنفسه، حتى ارتقى شهيدًا كما يليق بالقادة العظماء. لقد ترجل فارس الجنوب على أرض المعركة، ودماؤه الزكية اختلطت بتراب الوطن لتكون ختم الولاء الأبدي، وسطرًا خالدًا في سفر البطولة. 

    ولأن القادة لا يُخلدون بأعمارهم، بل بمواقفهم؛ فقد قالها القائد بلسان الواثق:

“لن أترك الشباب يقاتل لوحده”

“لن أترك عدن حتى ننتصر أو نستشهد”

“هؤلاء الغزاة أتوا لاحتلال أرضنا وعرضنا، لكننا سندافع عنها مهما كلف الثمن، سنقاتل سنقاتل سنقاتل حتى ننتصر أو نموت”

كلمات لا تموت، بل يجب أن تنقش على صخور جبل شمسان، تقرأ كل صباح على مسامع الأجيال، فتنهل منها العزة والكرامة، وتتعلم منها معنى الشهادة، ومعنى أن تكون قائدًا في زمن الانهزام. 

    لقد أوصى القائد، فكانت وصيته بندقية أخرى في وجه الغزاة: “نوصي أولادنا وأحفادنا بأن يقاتلوكم” هي ليست مجرد كلمات عابرة، بل دستور مقاومة، وخارطة طريق لكل من أراد للجنوب كرامة، وللعاصمة عدن سيادة، وللشهداء وفاء، وقانون كتبه قائد عظيم خبر غدر قوى الشمال كما خبر تصويب البندقية. 

    الشهيد علي ناصر هادي لم يكن مجرد قائد، بل كان مدرسة قيادية عسكرية ووطنية متحركة، جسّد في حياته معنى القائد المقاوم، وفي استشهاده معنى الفداء العظيم… لقد كان رمزًا عسكريًا للجنوب، وواحدًا من أولئك الذين لا يتكررون إلا كل قرن، أولئك الذين يكتب عنهم التاريخ لا بأقلام المؤرخين، بل بدماء المقاتلين، وهتافات الميادين.

    إن مناهجنا المدرسية، وكتبنا الوطنية، وقاعاتنا الدراسية، تحتاج أن تخلِّد اسم هذا القائد؛ ليكبر أبناؤنا على حبه، ويحملوا رايته، ويكونوا امتدادًا لروحه الطاهرة في التضحية لأجل الوطن. ولا بد – بل من الواجب الوطني – أن يشيّد له تمثال عند مدخل التواهي، ليراه الداخلون إلى عدن فيدركون أن في هذه المدينة رجالًا قاتلوا حتى الرمق الأخير، وأن هذه الأرض لا تستباح ولا تُهدى، بل تتحرر بالتضحية، وتصان بالشهداء، والحفاظ عليها فرض وواجب. 

سلام على شيخ شهداء الجنوب،

سلام على بندقيته التي لم تُسقطها الشيخوخة،

وسلام على وعده الذي لا يزال حيًّا فينا: “سنقاتل حتى ننتصر أو نموت”.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى