في الذكرى العاشرة للتحرير.. الإعلامي والكاتب خطاب ناصر يكتب عن قائد معركة تحرير الضالع
في الذكرى العاشرة للتحرير.. الإعلامي والكاتب خطاب ناصر يكتب عن قائد معركة تحرير الضالع

صوت الضالع
ما بالُ الدّمِ، كلّما جفَّ على صخرة، عادت تنبضُ تحته ذاكرة؟
وما بالُ الأسماء، حين تُنحت في المعركة، لا تُمحى، وإن مرّت عليها حرائق القرون؟
في البدء لم يكن إلّا الصمت…
ثمّ انفجر في المدينة لحنٌ من بارودٍ وأرواح،
كأنّ الضالع، حين قرّرت أن تستعيدَ نفسها،
لم تجد غير “أبو عبدالله” ليكون بداية السطر.
يمشي لا خلف الموت، بل أمامه،
يُربّي في رفاقه جنونَ النجاة بالشهادة،
ويعلّم الترابَ كيف ينهض حين يُدهس.
أيّها الفارس الذي جعل من موته درباً لا نهاية له!!
هل تذكُر كيف كانت الأرض ترتعد تحت أقدامك؟ ليس خوفًا، بل إجلالاً؟
وكيف انحنى لك الموقعُ الذي لم يسقط إلّا حين تقدّمت إليه دون خوذةٍ ولا خلفيةٍ تحمي الظهر؟
هل تذكُر كيف غرزت جسدك في صدر المعركة،
فانشقّت كما ينشقّ البحرُ لموسى،
وسارت خلفك سيوفٌ لا تعرف الأوامر،
بل تعرف أنّ الوصيّة قد قيلت، وأن الوقت لا يُمهل الوجلين؟
في الليلة التي تساقط فيها الزمن على هيئة رماد، وارتجف الجبل بين شدقي الفجر والموت،
وقف أبو عبدالله بين رجاله لا ليخطب، بل ليرفع الستار عن كتابٍ لا يُقرأ إلا بالدم. قالها بنداء خرج من أعماق التاريخ:
“إن رأيتموني سقطت شهيداً، فمرّوا فوق جثتي… وواصلوا المعركة حتى التحرير.”
لم تكن وصية، بل كانت تعميداً، كانت عهداً بين الأرض والسماء، بين الدم والراية.
لم توصِ بأهلك، ولا بجسدك، بل قلتها كما يُلقي العارف تراتيل النجاة: “إن رأيتموني سقطت، فمروا فوق جثتي وواصلوا المعركة حتى التحرير”.
فمررنا، يا عُمَر…
مررنا والخوف يتساقط من أكتافنا،
مررنا ودمك كان الجسر، والوصية كانت الضوء،
مررنا ولم ننحرف.
يا عمر!! كان لك أن تموت وتمضي كما مضى كثيرون،
لكنّك اخترت أن تُقيم فينا، لا بذكراك، بل بفرضك.
فأنت لم توصِ فقط، بل شرّعت الوصيّة.
ولم نعد نملك الحق في التراجع،
لأن في كل انسحاب خيانةً لصوتك،
وفي كل تردّد صفعةً لدمك،
وفي كل رايةٍ غير مرفوعة، انكساراً لذراعك الساقطة.
إننا اليوم لا نأتيك بمرثية، بل بجرد حساب:
ها قد مرّ عقدٌ من نار،
فهل كنّا على قدّ الحبر الذي سكبته من شريانك؟
كلّ ما فعلناه منذ رحيلك،
كان محاولةً للتشبّه بك،
كلّ طلقة، كلّ موقف، كلّ حجر،
كان تقليداً أعمى لذاك المشهد الذي أغمضت فيه عينيك
بعد أن سمعت أنّ “الخزان” قد سقط.
فابتسمت،
وكأنك تقول: “الآن، فقط، يمكنني أن أغيب”.
فهل تُرانا بلغناك؟
أتُرانا واصلنا بما يليق بوصيتك؟
قل لنا، يا غائباً في حضوره،
هل نحن على الدرب؟
هل لا يزال الطريق ممتدّاً من تحت جثتك حتى راية النصر؟
يا عمر…
ما زلنا نبحث عنك في زوايا الغبار،
ما زلت تسير أمامنا،
وما زالت الضالع تمشي وراءك…
محرَّرةً…
منفيةً عن الذلّ…
موشّاةً برايتك.
يا عمر…
لسنا نبكيك، لكننا نناديك…
نناديك من قلب التراب،
من حنجرة الجنوب،
من ضلع الضالع،
ونقول:
ابقَ فينا،
ابقَ في كل معركة قادمة،
وفي كل نداء ينطلق من فوهة بندقية.
ابقَ يا أبا عبدالله،
فوصيتك لم تُختم بعد.
سلامٌ عليكَ يا عُمَر،
وسلامٌ على الذكرى حين تُصبح سيفاً،
وسلامٌ علينا إن حافظنا عليك فينا.
– عن الشهيد القائد العميد ركن: عمر ناجي محمد الهدياني “قائد معركة تحرير الضالع 2015”

